
الخطبة الموحدة بالمساجد لهاته الجمعة.. عيد العرش يوحد المغاربة
هبة بريس ـ الدار البيضاء
عممت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية خطبة الجمعة الموحدة لهاتع الجمعة على مختلف خطباء و أئمة المساجد في المغرب و هاته تفاصيلها:
الحمد لله رب العالمين، نحمده تعالى على ما أولى، ونشكره على ما أعطى، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلم، وعلى آله الطيبين، وصحابته الغر الميامين، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد، أيها الإخوة المومنون، سبق في الخطب الماضية الحديث عن الثوابت الدينية ووجوب التمسك بها والوفاء لها، وأن ذلك من حق الإمام الأعظم، ومن حق الجماعة. وأنها من صميم الإيمان والعمل الضامنين لتحقيق الحياة الطيبة للناس، على أساس الأمن والأمان وحفظ النظام، كما قال الحق سبحانه:
(وَعَدَ اَللَّهُ الذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمْ وَعَمِلُواْ الصَّٰلِحَٰتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِے اِلَارْضِ كَمَا اَسْتَخْلَفَ اَلذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الذِے اِرْتَضيٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمُۥ أَمْناٗ يَعْبُدُونَنِے لَا يُشْرِكُونَ بِے شَيْـٔاٗ)[1].
عباد الله، في إطار هذه الآية الكريمة الواعدة بالأمن والأمان بشرط الإيمان والعمل الصالح مع التخلص من شوائب الشرك الظاهر والخفي تأتي هذه الخطبة بمناسبة عيد العرش العلوي المجيد الذي نحتفي به ونستحضر فيه جميعا هذه النعمة الكبرى الناظمة للثوابت الدينية التي مَنَّ الله علينا بها، ألا وهي إمارة المومنين المؤسسة على البيعة الشرعية الضامنة لوحدة الأمة، والمحافظة على ثوابتها الدينية والوطنية، والجامعة لأمرها باعتبارها خلافة للنبوة في حراسة الدين وسياسة الدنيا.
والنصوص القرآنية والإيمانية في هذا الشأن كثيرة، نقتصر منها على ما يأتي: يقول الله تعالى في محكم تنزيله:
(اِنَّ اَلذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اَللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ)[2].
فهذه الآية تدل دلالة واضحة على أهمية عنصر الإيمان في البيعة الشرعية لولي أمر المسلمين.
ويقول جل شأنه:
(إِنَّمَا اَلْمُومِنُونَ اَلذِينَ ءَامَنُواْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِۦوَإِذَا كَانُواْ مَعَهُ عَلَيٰٓ أَمْرٖ جَامِعٖ لَّمْ يَذْهَبُواْ حَتَّيٰ يَسْتَٰذِنُوهُ)[3].
فحصر الحق سبحانه الإيمان في من آمن بالله ورسوله، وحافظ على جمع كلمة المسلمين بحيث لا يجوز التصرف في أمر جامع بينهم إلا بإذن الإمام. والأمر الجامع هو كل ما له علاقة بالشأن العام، من أمور الدين وقضايا الوطن.
ويقول جل شأنه:
(وَالذِينَ اَسْتَجَابُواْ لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُواْ الصَّلَوٰةَ وَأَمْرُهُمْ شُوريٰ بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَٰهُمْ يُنفِقُونَ)[4].
جمعت هذه الآية في سياق المدح للمتصفين بهذه الصفات الجليلة، الاستجابةَ لله تعالى، وهو أمر واجب امتثالا لقوله، سبحانه:
(يَٰٓأَيُّهَا اَلذِينَ ءَامَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ)[5]
، وإقامَ الصلاة التي هي صلة بين العبد وربه، وأمرَ الشورى بين أهل الإيمان، وهو العنصر الموحد للأمة المستجلي للصائب من آرائها، والإنفاقَ في سبيل الله، وهو عنوان اليقين في الله الواقي من الشح والبخل، المقرونُ بالصلاة في كثير من الآيات.
ويقول النبي ﷺ:
«وأنا آمركم بخمس: بالسمع، والطاعة، والجماعة، والهجرة، والجهاد في سبيل الله، فمن خرج من الجماعة قيد شبر، فقد خلع ربقة الإسلام من رأسه حتى يراجع، ومن دعا دعوة جاهلية، -والمراد بها دعوة التفرقة والفتنة- فإنه من جُثَا جهنم»، فقال رجل: يا رسول الله، وإن صلى وصام؟ قال: «نعم، وإن صلى وصام، ولكن تسموا باسم الله الذي سماكم، عباد الله، المسلمين المؤمنين»[6].
فهذا الحديث يدعو إلى التزام الجماعة والوفاء بالبيعة ونصرة الدين، ونبذ الفرقة والفتنة، والعصبية والإثنية والأنانية، وكل أسباب تشتيت الرأي وإفساد الجماعة، وأن من فعل ذلك فهو من جثي جهنم، ولا تنفعه صلاته ولا صيامه؛ لفقدانهما الآثار المرجوة منهما من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
نفعني الله وإياكم بقرآنه المبين، وبحديث سيد الأولين والآخرين، وغفر لي ولكم ولسائر المسلمين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الخطبة الثانية
الحمد لله حمد الشاكرين لنعمائه، المقرين بفضله وآلائه، والصلاة والسلام على الرحمة المهداة والنعمة المسداة، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
عباد الله، يتضح مما سبق ذكره أن إمارة المومنين خلافة لرسول الله ﷺ، وذلك من صميم الإيمان الموجب على المؤمن طاعة ولي الأمر، كما في قوله تعالى:
(يَٰٓأَيُّهَا اَلذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِے اِلَامْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَٰزَعْتُمْ فِے شَےْءٖ فَرُدُّوهُ إِلَي اَللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُومِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ اِلَاخِرِ ذَٰلِكَ خَيْر وَأَحْسَنُ تَاوِيلاً)[7].
فالآية الكريمة صريحة في وجوب العودة إلى ولي الأمر عند الاختلاف، وأن ذلك من صميم الإيمان بالله واليوم الآخر. وأحسن في الدنيا لما يحقق من التوافق المفضي إلى نزع فتيل الخلاف. وهو مناط الحياة الطيبة للمجتمع المسلم.
كما أكدت آية الفتح:
(اِنَّ اَلذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اَللَّهَ)[8]
على أن المبايع لولي الأمر كالمبايع لله تعالى، ويد الله فوق أيدي الجميع نصرا وتأييدا وجمعا للشمل وتوحيدا للصف. وهذه عناصر القوة الضامنة للسلم الاجتماعي من جميع مناحيه. بشرط القيام بواجب البيعة الشرعية كما يأتي:
أولا: الوفاء لمقتضى البيعة بالسمع والطاعة في المنشط والمكره، ولزوم جماعة المسلمين، والنصح لهم، كما قال جرير بن عبد الله، رضي الله عنه:
“بايعت رسول الله، ﷺ، على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم”[9].
ثانيا: المحافظة على الوحدة ونبذ الخلاف، والتزام الصف على مستوى الأفكار والوقائع والأحداث، إذ “الخلاف شر” كما قال ابن مسعود رضي الله عنه.
ثالثا: الدعاء للسلطان ومحبته، وهذه كلها من أمور الإيمان، كما قال النبي ﷺ:
“خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم وتصلون عليهم ويصلون عليكم”[10].
أي تدعون لهم ويدعون لكم. في نصوص متضافرة عديدة في وجوب محبة الإمام والدعاء له.
تلكم، عباد الله، بعض ما يرمز إليه الاحتفال بعيد العرش العلوي المجيد من الحقوق والواجبات، وما يدعو إليه من الفخر والاعتزاز بما مَنَّ الله تعالى به علينا في هذا الوطن الغالي عبر القرون، مما يستوجب الشكر الدائم بالقلب والفعل واللسان.
ألا فاتقوا الله عباد الله، واشكروه على ما أولاكم من النعم، وخاصة نعمة الولاية الشرعية في ظل الدولة العلوية المنيفة، وأكثروا من الصلاة والسلام على سيدنا محمد، فاللهم صل وسلم على من اصطفيته لرسالتك واجتبيته لنبوتك، صلاة وسلاما كاملين بكمال عزك وملكك. وارض اللهم عن أصحابه المبايعين له على حفظ الأمة وتبليغ الدين، وخصوصا الخلفاء الراشدين من بعده أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن باقي الصحب أجمعين.
وانصر اللهم من وليته أمر عبادك، وجعلته ظلك الممدود في بلادك، مولانا أمير المومنين صاحب الجلالة الملك محمدا السادس نصرا تعز به دينك وأولياءك، واحفظه اللهم بحفظ كتابك،
اللهم بارك له في صحته وعافيته، واشمله بعنايتك التامة وألطافك الخفية في حله وترحاله، وخلواته وجلواته، وفي كل شؤونه وأحواله، حتى يحقق كل ما يصبو إليه من رقي وازدهار لأمته ووطنه، آمين.
وأقر عين جلالته بصاحب السمو الملكي الأمير الجليل مولاي الحسن، مشدود الأزر بصنوه السعيد، الأمير الجليل مولاي رشيد، وبباقي أفراد الأسرة الملكية الشريفة.
وارحم اللهم الملكين الجليلين مولانا محمدا الخامس ومولانا الحسن الثاني، اللهم طيب ثراهما، وأكرم مثواهما من المنعم عليهم من عبادك الصالحين.
اللهم احفظ بلادنا من كل سوء ومكروه، ووحد صفنا على ما تحبه وترضاه، مما يقربنا إليك وإلى جناتك جنات النعيم، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.
تابعوا آخر الأخبار من هبة بريس على WhatsApp
تابعوا آخر الأخبار من هبة بريس على Telegram
تابعوا آخر الأخبار من هبة بريس على X