العنصرية الخفية في سوق كراء المنازل بإسبانيا: معاناة المهاجرين المغاربة والعرب

عمر الرزيني – مكتب برشلونة

رغم أن القوانين الإسبانية تحظر التمييز العنصري في جميع مناحي الحياة، بما في ذلك الحق في السكن، إلا أن الواقع يكشف عن وجود ما يُعرف بـ“العنصرية الخفية” داخل سوق كراء المنازل، وهي عنصرية غير معلنة لكنها تؤثر بشكل مباشر على حياة آلاف المهاجرين المغاربة والعرب الذين يواجهون صعوبات يومية في العثور على سكن لائق يضمن لهم الاستقرار والكرامة.

ترتبط هذه المعاناة بصور نمطية سلبية يحملها بعض أفراد المجتمع الإسباني تجاه المغاربة والعرب، مثل الاعتقاد بأنهم لا يحترمون القوانين، أو أن الأسر العربية كثيرة العدد وتُحدث الضجيج، أو أنهم لا يدفعون الإيجار في موعده. هذه الصور المسبقة تجعل الكثير من أصحاب العقارات يرفضون تلقائيًا طلبات الكراء المقدمة من أشخاص يحملون أسماء عربية أو يتحدثون بلهجة غير إسبانية، حتى وإن كانوا يتوفرون على عقود عمل رسمية ودخل ثابت.

العنصرية داخل هذا السوق لا تكون دائمًا صريحة، بل تظهر في أشكال مختلفة، كرفض الرد على طلبات الكراء عندما يحمل مقدم الطلب اسمًا عربيًا، أو تقديم مبررات واهية مثل “العقار تم كراؤه للتو” أو “نفضل شخصًا بدون أطفال”، فضلًا عن ظهور إعلانات تمييزية صريحة مثل “لإسبان فقط” أو “بدون أجانب”. كما يتم أحيانًا منح الإسبان مواعيد لمعاينة العقار بينما تُهمَّش طلبات الآخرين دون مبرر واضح.

رغم أن الدستور الإسباني والقوانين الأوروبية تمنع التمييز وتكفل الحق في السكن للجميع دون تفرقة، إلا أن تطبيق هذه القوانين على أرض الواقع يظل ضعيفًا، خصوصًا في السوق الحرة للعقارات التي يتحكم فيها المالكون دون رقابة فعّالة. وغالبًا ما يكون من الصعب على الضحية إثبات تعرضه للتمييز، ما يجعل هذه الممارسات تمر دون مساءلة قانونية.

يترك هذا النوع من التمييز أثرًا نفسيًا واجتماعيًا كبيرًا على المهاجرين، حيث يعزز الشعور بالإقصاء وانعدام الانتماء، ويجعل البحث عن السكن مصدر قلق وضغط دائم، ويدفع الكثيرين إلى قبول العيش في ظروف غير ملائمة أو اللجوء إلى أحياء مكتظة، بل أحيانًا تُجبر بعض الأسر على اللجوء للسوق السوداء بحثًا عن سقف يأويهم، لأنهم لم يُمنحوا فرصة عادلة.

لمواجهة هذه الظاهرة، يمكن اتخاذ عدة خطوات، منها توثيق حالات التمييز عبر الرسائل أو التسجيلات، واللجوء إلى جمعيات حقوقية مثل SOS Racismo وCEAR وRed Acoge، بالإضافة إلى تقديم شكاوى رسمية لدى البلديات أو مكاتب حقوق الإنسان. كما يتحتم على السلطات فرض رقابة صارمة على المنصات العقارية الشهيرة، وإطلاق حملات توعية موجهة لأصحاب العقارات حول مخاطر التمييز وأهمية احترام القانون، مع تسهيل المساطر القضائية أمام ضحايا التمييز.

تبقى إسبانيا بلدًا يفتخر بتعدديته الثقافية وقيمه الديمقراطية، لكن تحقيق المساواة الحقيقية في الحق في السكن يظل رهينًا بإرادة جماعية لمواجهة هذه الممارسات المخفية. فالمهاجرون جزء لا يتجزأ من المجتمع الإسباني، يساهمون في نموه وتقدمه، ويستحقون أن يُعاملوا بكرامة وعدل، لا أن يُرفضوا فقط بسبب اسم أو لهجة، في معركة يومية للبحث عن حق طبيعي في العيش بكرامة.



قراءة الخبر من المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى