
القرض الفلاحي.. “المرأة الحديدية” غيرت مديرين وهي لم تتغيّر!
منذ سنوات، يعيش بنك القرض الفلاحي للمغرب حالة من التململ الداخلي والانتقادات المتصاعدة من طرف الفلاحين الصغار، الذين فقدوا الثقة في مؤسسة كان يُفترض أن تكون حليفهم الأول في مواجهة صعوبات التمويل والتقلبات المناخية والاقتصادية. لكن، ما يشهده البنك اليوم من محاباة وزبونية وعلاقات فوقية، جعله أقرب إلى بنك “للخواص والمقربين” منه إلى بنك عمومي تنموي.
ورغم تعاقب المديرين العامين على رأس المؤسسة، وآخرهم محمد فكرات سنة 2024، فإن السياسة العامة للبنك لم تتغير. قبله، مر على المؤسسة مديرون بصلاحيات واسعة، لكن دون أن تُلامس قراراتهم جوهر الإشكال الداخلي. فما إن يغادر مدير حتى يُعيّن آخر، وتبقى المؤسسة تُدار من الخلف بنفس المنطق وبنفس الأشخاص.
في قلب هذه الدوامة الإدارية، برز اسم موظفة سامية تُوصف داخليًا وخارج البنك بـ”المرأة الحديدية”، وهي مسؤولة مركزية ظلت صامدة في موقعها رغم كل التغييرات، بل ويُقال إنها من تُدير فعليًا دواليب البنك وتُوجه خياراته من الكواليس. يُجمع العديد من موظفي البنك على أنها “تُغيّر المدراء ولا تتغيّر”، وهو وصف يُجسد سطوتها واستمراريتها داخل المؤسسة بشكل يُثير أكثر من علامة استفهام.
فرغم تتابع المديرين، لم تتغير ممارسات الزبونية ولا أساليب المحاباة. ملفات قروض تمر عبر الوسطاء والمنتخبين، فلاحون حقيقيون يُرفض دعمهم، في حين تُمنح تسهيلات ضخمة لأشخاص لا علاقة لهم بالقطاع الفلاحي، سوى قربهم من “أصحاب القرار”.
يقول أحد الفلاحين من جهة الغرب:
“منذ خمس سنوات وأنا أقدّم نفس الملف، وكل مرة يُطلب مني شيء جديد. في المقابل، جاء شخص لا يملك حتى أرضًا زراعية، وحصل على قرض كبير لأنه جاء بتوصية من منتخب نافذ”.
هذه الشهادات ليست معزولة. بل هي جزء من نمط عام يتكرر في عدة جهات: تماطل في دراسة الملفات، وطلبات غير رسمية، وعمولات غير قانونية، بل وأحيانًا استدعاء أصحاب الملفات إلى “اجتماعات خاصة” لا يُعرف هدفها سوى التأثير على القرار.
وتبقى المعضلة الكبرى في صمت الجهات الوصية، من وزارة الفلاحة إلى بنك المغرب، وعدم تحريكها أي مسطرة جدية للمساءلة. كما لم يُفتح أي تحقيق مالي دقيق في ثروات بعض الأطر الذين اغتنوا فجأة داخل البنك، وسط حديث متزايد عن تحويل القروض إلى مشاريع وهمية تُستعمل للاغتناء لا للإنتاج.
فمن يحمي “المرأة الحديدية”؟
ومن يُبقيها في موقع النفوذ رغم تعاقب المديرين؟
هل يتعلق الأمر بحماية سياسية، أم بشبكة مصالح أوسع تتجاوز حتى إدارة البنك؟
إن بقاء الوضع على ما هو عليه يُنذر بانهيار ثقة الفلاحين نهائيًا في هذه المؤسسة، وبخسائر مالية قد تُهدد استقرارها على المدى المتوسط. فالبنك الذي يُفترض فيه أن يواكب السياسات العمومية في الفلاحة، أصبح هو نفسه بحاجة إلى إصلاح داخلي جذري يعيد له بوصلته.
بنك القرض الفلاحي لم يعد بحاجة إلى تغيير المدير العام، بل إلى تغيير المنطق العميق الذي يُديره. فطالما استمرت نفس الوجوه في صناعة القرار من الخلف، وطالما لم يتم تفكيك منظومة المحاباة والمصالح، فإن كل تغيير في الواجهة لن يكون إلا واجهة جديدة لنفس الأعطاب.