بعد أن هدأ الجمهور “العاطفي”.. إنجازات لقجع هي من جعلتنا نحلم ب”البوديوم”

هبة بريس ـ ياسين الضميري 

ما إن أطلقت الحكمة الناميبية أنسينو توانانيكوا صافرة نهاية نهائي كأس إفريقيا للسيدات، حتى انطلقت على منصات التواصل الاجتماعي شرارة نار عاطفية اجتاحت كل شيء، و وجهت لهيب سهامها مباشرة نحو فوزي لقجع رئيس الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، وكأن الرجل هو المسؤول المباشر عن ضياع اللقب، أو أنه من ارتكب الأخطاء التحكيمية الصارخة التي حرمت لبؤات الأطلس من اعتلاء منصة التتويج.

هذا السلوك الجماهيري ليس جديدا، بل يعبر عن ظاهرة أعمق في الثقافة الرياضية المغربية، حب جارف لكرة القدم لا يوازيه في بعض الأحيان وعي كاف بسلم البناء والتراكم والعمل المؤسساتي طويل النفس، فحين يعشق المغاربة منتخبهم، فإنهم يحبونه دون شروط، لكنهم أيضا حين يغضبون، ينسون بسرعة من رسم لهم طريق الحلم، ويريدون إسقاط الرؤوس فقط لأن النتيجة لم تطابق الرغبة.

لكن فلنكن منصفين و لو قليلا، هل كان المغاربة يحلمون قبل بضع سنوات فقط بلعب نهائي كأس إفريقيا للسيدات؟ هل كان للمنتخب النسوي حضور فعلي على الساحة الإفريقية قبل مشروع إعادة الهيكلة الذي أطلقته الجامعة؟ وهل كان أحد يتحدث أصلا عن الألقاب حين كانت مشاركاتنا تقتصر على التواجد الرمزي أو الغياب التام؟

إن ما تحقق في السنوات الأخيرة هو مسار استثنائي بكل المقاييس، لم يكن صدفة ولا ضربة حظ، إنه ثمرة عمل دؤوب على مستوى التكوين والبنية التحتية والاستثمار في الطاقات النسائية والذكورية، وفتح ورش التطوير في مختلف الأندية، ودمج الرؤية التقنية في قرارات الجامعة، والأهم من ذلك، صبر سنوات على بناء حلم جماعي رسم معالمه عاهل البلاد و يشرف على تنزيله فوزي لقجع و مكتبه الجامعي.

فوزي لقجع، الذي تطالب فئة من الجمهور برأسه اليوم، هو نفسه الذي قاد مشروع احتراف الكرة النسوية، وهو من جعل الفرق النسوية تمارس في إطار تنظيمي مؤسساتي لأول مرة في التاريخ، وهو من أتاح الفرصة للمدربات والمدربين، ومنح الموارد المالية واللوجستيكية للأندية لتشتغل، وفرض التأهيل وتكوين الأطر، وربط الدعم بالنتائج والمردودية و هو ذاته الذي أعاد للمغرب هيبته القارية و حضوره في الكاف و الفيفا بعدما كنا مجرد “كومبارس” تفرض علينا القرارات دون حتى القدرة على مناقشتها، و هو أيضا جدار “الصف الأمامي” الذي يدافع بكل ما أوتي من إمكانيات على حظوظ و تموقع المغرب في خارطة كرة القدم القارية و الدولية، و في عهده تحقق ما لم يتحقق طيلة عقود في جامعة تعاقب عليه العسكري و المدني معا.

لكن الجماهير التي يحق لها أن تحلم وتغضب وتطالب، يجب أن تدرك أن الإنجاز لا يأتي بـ”الريموت كونترول”، ولا يتم بـ”النقر على شاشة الهاتف”، بل هو بناء هرم يبدأ من القاعدة، ويحتاج للزمن وللنفس الطويل، ولثقافة الانتماء لا ثقافة جلد الذات، فالهزيمة في النهائي لا تعني أن المشروع فشل، بل تعني أن ثمة تفاصيل يجب إصلاحها، وجراح يجب أن تلتئم، وأخطاء يجب تصحيحها دون نسف كل ما تحقق.

الحملة العنيفة التي استهدفت لقجع بعد الهزيمة، لم تكن بريئة بالكامل، و هي ليست وليدة اليوم، فقد سبق و ركب عليها البعض من خارج المغرب، خاصة في مصر وتونس، وسوقوا مزاعم خيالية عن نفوذ مزعوم للقجع داخل الكاف، وعن تحكمه في قرارات الحكام واللجان، وهو ما يكذبه الواقع، إذ أن المغرب – عكس ما يعتقده البعض – يمارس صلاحياته المخولة له فقط داخل أجهزة الكاف، ولا يترأس أي لجنة من اللجان الحاسمة، وخاصة التحكيم والتنظيم.

المفارقة الغريبة، أن هذه “الأسطوانة” التي طالما اتهم فيها المغرب بالهيمنة، أضحت تستخدم ضدنا، إذ بات بعض الحكام الأفارقة يبالغون في ظلم المنتخب المغربي لإثبات “استقلاليتهم” عن لقجع وعن المغرب، وهو سلوك لا يعكس إلا منسوب الضغط الذي تمارسه الأطراف المغرضة داخل الكواليس، و التي تغذيها فئة من جماهيرنا داخل أرض الوطن و تمنح لخصومنا تربة خصبة لنفث سمومهم و حقدهم على وطن يسير بسرعة البراق في كل المجالات.

المغاربة مطالبون اليوم بأن يفتخروا بما تحقق في عهد جامعة لقجع، لا أن ينكروا فضله، لقد وصلنا إلى النهائي، كنا ندا قويا لمنتخب نيجيريا، بطل القارة لعقود، ولم ننهزم أمامه إلا بأخطاء تحكيمية يعترف بها الجميع، و بسوء حظ و طالع، وإذا كان الحلم باللقب مشروعا، فإن الإيمان بالمسار لا يقل مشروعية، لأن البناء الحقيقي لا يتم بالانفعالات، بل بالتلاحم، و وحدة الجسد الرياضي، والدفاع عن المكتسبات لا طعنها.

إن فوزي لقجع، برغم كل شيء، اختلفنا معه أو توافقنا، لم يكن جزءا من الفشل، بل من النجاح الذي أوصلنا إلى هذه المرحلة من المنافسة، رجل تدبير، لا رجل شعبوية، يعمل في صمت، ويترك النتائج تتحدث، فإن أخطأ في شيء، فبالإمكان نقده مؤسساتيا، أما المطالبة بإسقاطه لمجرد هزيمة رياضية، فهي تعبير عن رغبة عاطفية في “الإنجاز الآن وفورا”، حتى لو جاء على أنقاض كل ما تحقق.

ختاما، نحن لا ندافع عن الأشخاص، بل عن منطق رياضي سليم، نحلم نعم، لكن بواقعية، نغضب نعم، لكن دون تهور، نطالب بالتغيير نعم، لكن حين يكون هناك فشل واضح في المنهج، لا حين يخسر مشروع مباراة واحدة بعد أن قادنا لحافة المجد.

كرة القدم هي مدرسة للحياة، تعلمنا أن المجد لا يأتي دفعة واحدة، بل خطوة بخطوة، وهكذا يبنى التاريخ، لنتحد حتى نتقدم، فالمتربصون ينتظرون الشفق لينقضوا على كل ما تحقق، فهناك من لا يروقه منظر مغرب يتقدم و يخطو للأمام بإمكانياته الذاتية المحدودة و سواعد أبنائه المجدة، مغرب يقوده ملك مواطن برؤى متبصرة تسهر على تنزيلها كفاءات لا تحتاج لمن يدافع عنها ما دامت إنجازاتها “الواقعية” تقوم بالمهمة، و لقجع واحد من هاته الكفاءات شاء من شاء و كره من كره…

 



قراءة الخبر من المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى