“بنكيران رفع عنه القلم”.. وهبي يرسم حدود النهاية السياسية لزعيم البيجيدي

هبة بريس – عبد اللطيف بركة

في حلقة مثيرة من برنامج “بدون لغة خشب” مع الإعلامي الرمضاني، فجّر عبد اللطيف وهبي، وزير العدل المغربي والأمين العام السابق لحزب الأصالة والمعاصرة، تصريحات لاذعة أعادت الصدام السياسي بينه وبين عبد الإله بنكيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، إلى الواجهة.

وهبي، المعروف بصراحته وجرأته، وجّه سيلاً من الانتقادات الحادة لبنكيران، واصفًا إياه بـ”الجفاف الفكري والسياسي”، ومتهكّمًا على أحد أبرز وجوه حكومته السابقة، إدريس الأزمي الإدريسي، الذي قال عنه: “وزيره في المالية الذي قضى سنتين ومشى، هو من ينظّر له اليوم”.

وفي تصعيد واضح، قال وهبي: “بنكيران رفع عنه القلم”، في تعبير مشحون بالدلالات الدينية والسياسية، يُوحي وكأن بنكيران أصبح خارج دائرة التأثير الفعلي في الحياة السياسية، تصريح كهذا ليس مجرد نقد لشخصية سياسية منافسة، بل هو ما يشبه “الحكم النهائي” من زعيم سياسي تجاه آخر كان في وقت من الأوقات أحد أقوى الفاعلين في البلاد.

– صداقة إنسانية أم ازدواجية سياسية؟

ورغم هذا الهجوم العنيف، عاد وهبي ليؤكد أن العلاقة التي تجمعه ببنكيران على المستوى الإنساني تظل ودية، مشيرًا إلى تبادل الاتصالات بينهما، بعيدًا عن منطق الصراع الحزبي، لكنه في الآن ذاته أكد أن “في السياسة تكون المواجهة”.

هذا التوازن بين الهجوم العلني والإقرار بعلاقة إنسانية جيدة يطرح تساؤلات حول مدى صحة هذا النوع من الازدواجية في المواقف، هل هي علامة على نضج سياسي وفصل بين الذاتي والسياسي؟ أم أنها مجرد غطاء يُخفي تناقضًا في الخطاب ويعمّق الضبابية في المشهد العام؟.

وهبي لم يتردّد أيضًا في القول إن بنكيران “أصبح عبئًا على حزبه”، معتبرًا أن كل مرة يظهر فيها إعلاميًا أو يشارك في ندوة، يعقب ذلك اجتماع طارئ للأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية لإصدار بيان ضده، في ما يبدو وكأنه حملة ممنهجة لإضعافه داخل المشهد السياسي.

– صراع مزمن… وذاكرة مشحونة

الصراع بين وهبي وبنكيران ليس وليد اللحظة، فمنذ أن كان بنكيران رئيسًا للحكومة، دارت بين الطرفين سجالات إعلامية وبرلمانية قوية، خصوصًا أن وهبي آنذاك كان من بين الأصوات الأكثر جرأة في المعارضة، وكان كثيرًا ما يصوّب سهام نقده صوب سياسات البيجيدي.

هذا التاريخ الطويل من التوتر يجعل من تصريحات وهبي الأخيرة امتدادًا لصراع لم يُحلّ، ويبدو أن تجلياته ستبقى حاضرة، لا فقط في الخطابات، بل في كل المحطات التي تجمع الطرفين، سواء مباشرة أو بشكل غير مباشر.

– “لن أستقيل… أنا في المكان الصحيح”

في سياق آخر، وردًا على دعوات استقالته المتكررة، سواء من داخل المعارضة أو من بعض الأصوات التي تنتقد أداءه على رأس وزارة العدل، أجاب وهبي بكل وضوح: “لن أستقيل، لأنني في المكان الصحيح”، موقف يعكس إصرارًا وثقة في الأداء، رغم ما يواجهه من ضغط إعلامي وسياسي.

– بين الازدواجية والواقعية: سؤال السياسة المغربية

تفتح هذه الحلقة بتفاصيلها الساخنة نقاشًا أوسع حول نوع الخطاب السياسي السائد اليوم في المغرب، فحين يجتمع الهجوم السياسي الحاد مع التودد الإنساني، ويُرفع “القلم” عن أحد الزعماء بينما تُمدّ له اليد في آنٍ واحد، تُطرح تساؤلات جوهرية:
هل نحن أمام ممارسة ديمقراطية تنضج بتمايز الأدوار؟ أم أننا بصدد مشهد مرتبك يفتقر إلى الحسم والوضوح؟.

في نظر البعض، هذه الازدواجية تعكس مرونة ضرورية في السياق المغربي، حيث تتشابك العلاقات الشخصية والسياسية بشكل يصعب فصله، فيما يرى آخرون أن هذا الأسلوب يضرّ بالممارسة السياسية، لأنه يُضعف ثقة المواطن في الخطاب الحزبي ويكرّس خطابًا غامضًا لا يسمح بالمحاسبة الواضحة.
فعندما تُصبح السياسة مشهدًا مفتوحًا على التناقض بين صداقة تعلنها الكواليس وعداء تتغذّى عليه المنصات، تشكّل العلاقة بين عبد اللطيف وهبي وعبد الإله بنكيران مرآة لجزء كبير من المشهد السياسي المغربي، صراع مستمر، خطابات مزدوجة، وتحالفات ظرفية لا تثبت على حال.

وفي الوقت الذي يرفع فيه وهبي “القلم” عن بنكيران، تبقى السياسة المغربية في حاجة ماسّة إلى وضوح في المواقف، أكثر من حاجتها إلى حروب كلامية تستنزف المشهد دون أن تقدم بدائل حقيقية.



قراءة الخبر من المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى