
تهكم على مجلس الأمن الأعلى الجزائري بعد مناقشته موسم “الباراسولات”
هبة بريس- يوسف أقضاض
في خطوة أثارت جدلًا واسعًا وسخرية عارمة، ترأس الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، القائد الأعلى للقوات المسلحة ووزير الدفاع الوطني، اجتماعًا لما يسمى بـ“المجلس الأعلى للأمن”، بحضور رئيس أركان الجيش سعيد شنقريحة وعدد من الوزراء وكبار الجنرالات. الاجتماع الذي يفترض أن يُعقد في ظل سياقات إقليمية ملتهبة وأوضاع داخلية محتقنة، خُصص ـ بشكل مدهش ـ لمناقشة قضايا موسمية هامشية على رأسها التحضير لموسم الاصطياف، واستقبال الجالية، وشروط الاستفادة من برنامج “الأسرة المنتجة”.
وبدلًا من التطرق إلى القضايا الأمنية الملحة، كأزمة الجزائريين العالقين في صحراء ليبيا، وكارثة بسكرة التي راح ضحيتها ثلاثة شباب في بالوعة للصرف الصحي، أو حرب غزة وإيران التي تهدد بانفجار إقليمي شامل، اختار النظام تجاهل ما يُفترض أنه من صميم اختصاص المجلس، في مشهد يعكس انفصالًا تامًا بين السلطة والواقع.
تبون وشنقريحة: إدارة موسمية لدولة دائمة الأزمة
قراءة أولية في مضمون الاجتماع تكشف بوضوح عمق الارتباك داخل دوائر الحكم، واستمرار السلطة في انتهاج سياسة الهروب إلى الأمام. فالرئيس تبون، ومعه قائد الأركان شنقريحة، يواصلان الترويج لوهم الاستقرار في وقت تُظهر فيه المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية أن الجزائر تغرق في أزمة متعددة الأبعاد: من تدهور القدرة الشرائية، وارتفاع معدلات البطالة، إلى الانهيار المزمن للخدمات العمومية.
في المقابل، لا يجد النظام حرجًا في إضفاء طابع أمني على ملفات غير أمنية، وتجنيد المؤسسة العسكرية لمتابعة تحضيرات موسم البحر والشواء، في مفارقة تكشف هشاشة المؤسسات المدنية، وغياب أي تصور استراتيجي حقيقي لمعالجة التحديات الكبرى التي تواجه البلاد.
غياب الأولويات.. وحضور الدعاية
ما يُقلق في هذا المشهد ليس فقط مضمون الاجتماع، بل طريقة تسويقه عبر الإعلام الرسمي، الذي ضخَّ أخبارًا عن “التحضير الجيد لموسم الاصطياف” و”خطة استقبال الجالية الجزائرية بالخارج”، في وقت يعيش فيه الآلاف من أبناء الوطن أوضاعًا إنسانية مأساوية على الحدود، ويفتقر مستشفى بسكرة إلى أدوات السلامة البديهية، ويُدفن المواطنون أحياء في بالوعات الموت.
فبدلًا من توجيه الأجهزة التنفيذية والعسكرية نحو الإصلاح الحقيقي والبنية التحتية المتهالكة، تُستنزف جهود الدولة في ملفات هامشية، تخدم فقط هدفًا واحدًا: ترميم صورة سلطة منهكة، وفاقدة للشرعية الشعبية.
الجيش فوق الدولة
حضور سعيد شنقريحة في اجتماعات تتعلق بـ”الاصطياف” و”العائلات المنتجة” لا يمكن اعتباره مجرد عبث بروتوكولي، بل هو مؤشر على الطبيعة الفوقية للمؤسسة العسكرية، التي لم تعد تكتفي بإدارة الشأن الأمني، بل أصبحت تُشرف على كل صغيرة وكبيرة في الحياة اليومية للمواطن.
وهو ما يعيد إلى الأذهان النموذج القديم للدولة الشمولية، حيث تختفي الحدود بين المدني والعسكري، وتذوب السياسات العمومية داخل قرارات أمنية مغلقة، لا تخضع لأي رقابة أو محاسبة.
خلاصة المشهد: نظام في إجازة.. ووطن في طوارئ
في الجزائر، يبدو أن الدولة تعيش حالة عطلة دائمة، أما المواطن فهو وحده في حالة طوارئ يومية.
نظام يُدير الأزمات من شرفة فندق صيفي، ويؤجل الحساب الحقيقي إلى أجل غير مسمى، ويكتفي بإدارة الأعراض دون مواجهة المرض. أما “الجمهورية الجديدة” التي بشر بها تبون، فلم تعد تُنتج إلا الخيبات والأزمات، حيث تُدفن الحقيقة في بيانات رسمية، ويُحاصر الوعي خلف حدود الخطاب الدعائي.
فهل يحتاج الجزائريون إلى موسم اصطياف… أم إلى موسم حساب؟
تابعوا آخر الأخبار من هبة بريس على WhatsApp
تابعوا آخر الأخبار من هبة بريس على Telegram
تابعوا آخر الأخبار من هبة بريس على X