
صراع وزير العدل مع حماة المال العام.. تصعيد قانوني أم تأزيم الوضع؟
هبة بريس – عبد اللطيف بركة
في وقت تشهد فيه الساحة السياسية المغربية صراعًا متزايدًا بين وزارة العدل والجمعيات المدافعة عن المال العام، تبرز قضية مشروع قانون المسطرة الجنائية كأحد المحاور الرئيسية لهذا التوتر، حيث أصبح وزير العدل، عبد اللطيف وهبي، في مواجهة مباشرة مع هذه الجمعيات التي لطالما اعتبرت نفسها حارسًا للمال العام في المملكة.
الاحتقان بدأ منذ عدة أشهر، عقب تقديم وزير العدل لمشروع قانون المسطرة الجنائية، الذي جاء ليقيد، بحسب المعارضين، دور الجمعيات في ملاحقة الفساد والمفسدين، ورغم تأكيد وزير العدل أن التعديلات التي أُدخلت تهدف فقط إلى تنظيم وتحجيم دور هذه الجمعيات، إلا أن الواقع يعكس تأزماً حقيقياً بين الطرفين.
من بين أبرز النقاط المثيرة للجدل هي تصريحات وهبي بشأن الجمعيات التي تقوم بملاحقة المسؤولين عبر شكايات تُرفع إلى النيابة العامة، حيث أشار إلى وجود شبهات فساد حول عدد من هذه الجمعيات، خاصة تلك التي تديرها شخصيات تمتلك فيلات وسيارات فاخرة دون أن تقدم تفسيرات واضحة حول مصادر دخلها، وتوصل الوزير إلى ما وصفه بـ “احتمال عمليات تبييض أموال”، وهو ما أثار حفيظة الجمعيات المدنية واعتبروه محاولة لتشويه سمعتها.
وفي رد فعلٍ سريع، نظمت الجمعية المغربية لحماية المال العام وقفة احتجاجية أمام وزارة العدل، معتبرة أن تصريحات الوزير تهدف إلى التضييق على المجتمع المدني وتشريع قوانين تحمي المفسدين، وهو ما اعتبرته الجمعية بمثابة محاولة لتصفية الحسابات السياسية، واستخدام القانون لأغراض غير شفافة.
وفيما يبدو أن الصراع أخذ طابعًا متسارعًا، أصر وزير العدل على توجيه انتقادات لاذعة إلى تلك الجمعيات، واصفًا إياها بـ”المبالغة” في استخدام حق التبليغ، مشيرًا إلى أن الشكايات التي تُرفع ضد المسؤولين قد تكون غالبًا غير مؤسسة أو مجرد تعبير عن غضب عابر، كما أضاف في تصريحاته أن “التضييق على الجمعيات ليس من صميم أهداف الوزارة، ولكن الهدف هو ضمان نزاهة العمل المدني في سياق العدالة الجنائية.”
وتكمن الإشكالية العميقة في هذا السجال في مسألة الدور الذي يجب أن تلعبه الجمعيات في محاربة الفساد، وهل ينبغي أن تقتصر هذه المهمة على مؤسسات الدولة وحدها مثل وزارة الداخلية والنيابة العامة؟ .
وفقًا لما أكده وهبي، فإن جمعيات حماية المال العام قد لا تملك الموارد اللازمة لمتابعة مثل هذه القضايا بشكل فعال، وهو ما يتطلب، في نظره، تمكين المؤسسات الحكومية ذات الاختصاص من لعب دور أكبر في مراقبة المال العام.
لكن هل سيتراجع وزير العدل عن موقفه، أم أن التصعيد سيستمر ليأخذ طابعًا قانونيًا أكثر تشددًا؟ .
على الرغم من الجدل الذي صاحب التعديلات على مشروع قانون المسطرة الجنائية، يبدو وهبي متمسكًا بموقفه الذي يرى فيه ضرورة إعادة تنظيم العلاقة بين الجمعيات والنيابة العامة، وهو ما يثير تساؤلات حول مستقبل هذا الصراع الذي قد يعرقل جهود مكافحة الفساد في المغرب، ويضع المجتمع المدني في مواجهة مباشرة مع السلطة التنفيذية.
و يبقى السؤال الأبرز: هل ستنجح جهود وزير العدل في تقليص دور الجمعيات في محاربة الفساد وحماية المال العام؟ أم أن هذا التحول في السياسات سيؤدي إلى إضعاف فعالية مراقبة الفساد في المملكة؟ الوقت وحده كفيل بالإجابة عن هذا التساؤل في سياق استمرار هذا الصراع المتصاعد.
تابعوا آخر الأخبار من هبة بريس على WhatsApp
تابعوا آخر الأخبار من هبة بريس على Telegram
تابعوا آخر الأخبار من هبة بريس على X