فارس نورالدين: من الغربة إلى الخذلان.. شاب مغربي يعود جريحًا من الجزائر

هبة بريس – محمد زريوح

فارس نورالدين، شاب مغربي من جماعة تيزطوطين بإقليم الناظور، يعيش قصة معاناة قاسية تجسد واقع الكثير من الشباب الذين يتوجهون إلى الغربة بحثًا عن فرص أفضل، لكنهم يصطدمون بحقائق مريرة تدفعهم للعودة إلى وطنهم وهم محملون بجروح نفسية وجسدية. قصة فارس، الذي فقد والديه في سن مبكرة، تعتبر مثالًا مؤلمًا على ما قد يواجهه المغتربون في مسيرتهم نحو البحث عن حياة أفضل.

في عام 2017، هاجر فارس إلى الجزائر على أمل العثور على فرصة عمل تحفظ له كرامته وتساعده على بناء مستقبله. رحلته كانت مليئة بالأمل والطمأنينة، حيث قرر شق طريقه بعيدًا عن وطنه بحثًا عن فرص عمل تضمن له حياة كريمة بعيدًا عن الفقر الذي عاشه في المغرب. كانت الجزائر، في البداية، وجهة مليئة بالتحديات، لكنه استطاع أن يكسب ثقة أحد الأشخاص الذين عمل معهم، مما فتح له الباب نحو الاستقرار في هذا البلد.

ومع مرور الوقت، اقترح عليه صاحب العمل الزواج من أخت زوجته المطلقة، وهي أم لطفلة. كانت فكرة الزواج بالنسبة لفارس فرصة للعيش داخل عائلة تحتضنه وتمنحه الشعور بالانتماء الذي افتقده بعد وفاة والديه. وافق على العرض الذي رآه طريقًا لتحقيق الاستقرار الأسري بعد سنوات من العيش بعيدًا عن العائلة والأصدقاء. كان يأمل أن يكون ذلك بداية لحياة جديدة، مليئة بالحب والأمان.

ومع بداية حياته الزوجية، كانت الأمور تسير بشكل جيد، إلا أن الأمور سرعان ما تغيّرت مع تدهور حالته الصحية. في قبيل شهر رمضان الماضي، بدأ فارس يشعر بتدهور ملحوظ في صحته. فبعد الفحوصات الطبية، اكتشف أنه يعاني من فشل كلوي، مما اضطره إلى الخضوع لحصص منتظمة لتصفية الدم (الدياليز). كانت الصدمة الكبرى لفارس، ليس فقط من المرض، بل أيضًا من قلة الدعم المعنوي الذي تلقاه من أقرب الناس إليه.

ويؤكد فارس في حديثه: “زوجتي لم تتقبل وضعي الصحي، وكأنها تخلت عني تمامًا”، كلمات تحمل في طياتها ألم الخذلان والتخلي من قبل شخص كان يأمل أن يكون له سندًا في محنته. هذا الوضع دفعه إلى اتخاذ قرار العودة إلى المغرب، آملاً في استعادة جزء من كرامته والبحث عن حياة جديدة.

لكن مفاجأة قاسية كانت في انتظاره. ففي محاولاته لاسترجاع أمواله من عائلة زوجته التي كان قد ساهم في بناء حياته معهم، وجد نفسه في مواجهة مع التهديدات والصد. فبعد أن تواصل مع أفراد عائلة زوجته لطلب استرجاع حقوقه المالية، فوجئ بحظر رقمه من قبلهم، وأرسلوا إليه شباب الحي تهديدات مباشرة تقول له: “إذا عدت إلى الجزائر، سيتم سجنك.” هذه التهديدات لم تكن إلا بداية لموجة من الخذلان النفسي والجسدي التي تعرض لها فارس في هذه المرحلة.

اليوم، يعيش فارس في المغرب حياة قاسية، بعيدًا عن أسرته في الجزائر، دون مأوى ولا دعم. يعاني من مرض الفشل الكلوي الذي يتطلب معالجته بانتظام، لكنه لا يجد حتى القدرة على تأمين العلاج. يتنقل ثلاث مرات في الأسبوع إلى مراكز تصفية الدم، وهو يعتمد على مساعدات المحسنين التي تقدم له الدعم البسيط لاستكمال علاجه. يعيش فارس في صمت عميق، غير قادر على تجاوز جراحه، ولا يعرف كيف سيواجه الأيام المقبلة.

قصة فارس ليست مجرد حادثة فردية، بل هي انعكاس لحياة العديد من المغتربين الذين يذهبون إلى دول أخرى بحثًا عن فرص أفضل، ليكتشفوا في النهاية أنهم يتعرضون للخذلان والخذل في الغربة. فبعد أن كانوا يتصورون أن الهجرة ستمنحهم حياة أفضل، يجدون أنفسهم في مواجهة مع الظروف القاسية التي تقذف بهم في نهاية المطاف إلى الواقع الصعب. الغربة تصبح أكثر مرارة عندما يصطدم الشخص بالخذلان من المقربين وعدم القدرة على العودة إلى وطنه وهو محمل بآلام المرض والحزن.

قصة فارس تفتح الأعين على واقع المغتربين الذين يسعون وراء حياة أفضل، لكنهم في بعض الأحيان ينتهي بهم المطاف في مواجهة صعوبات أكبر من تلك التي كانوا يعانون منها في بلدانهم. المعاناة التي يعيشها فارس هي جرس إنذار للمجتمع بشأن الحاجة إلى تقديم الدعم للشباب الذين يعانون في الخارج، سواء في شكل مساعدات صحية أو نفسية.

في النهاية، وجه فارس نداءه إلى ذوي القلوب الرحيمة، داعيًا كل من يستطيع مساعدته في استئناف علاجِه، أو في استرجاع أملاكه في الجزائر، خاصة المنزل الذي بناه وتركه وراءه، للمساعدة في تخفيف معاناته. وعلى الرغم من التحديات الكبيرة التي يواجهها، يبقى فارس متمسكًا بالأمل في أن يجد من يساعده في استعادة جزء من حياته التي ضاعت في الغربة.



قراءة الخبر من المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى