مغاربة إيطاليا يمتنعون عن الأضاحي استجابة لنداء ملكي

عبد اللطيف الباز- مكتب إيطاليا

بينما تتراكم التحديات المناخية والاقتصادية التي ترخي بظلالها على بلدان العالم، اختار أفراد من الجالية المغربية بإيطاليا أن يتفاعلوا مع نداء وطني، لا على أساس الالتزام الحرفي، بل على أساس الانتماء الوجداني. قرار الامتناع عن ذبح أضحية العيد هذه السنة، الذي تبنّته جمعية “الفضاء المغربي ـ الإيطالي للتضامن”، هو أكثر من مبادرة رمزية، بل هو فعل تضامني يحمل في طيّاته وعياً حضارياً وارتباطاً عميقاً بالوطن، رغم بُعد المسافات.

في مثل هذه الخطوات، يُختبر المعدن الحقيقي للانتماء، حيث يتحوّل العيد من طقس فردي إلى مساحة مشتركة للمسؤولية. فرغم أن الظروف التي دعت إلى الإهابة الملكية تهم الواقع المغربي بالأساس، إلا أن تفاعل الجالية بالخارج يُجسّد وعياً جماعياً بأن المغاربة، أينما كانوا، يشكلون جسداً واحداً وروحاً واحدة.

اللافت في هذه المبادرة، أنها لم تأتِ بقرار فوقي أو تعليمات مؤسسية، بل وُلدت من قلب النقاشات الداخلية للجالية، ونضجت في حضن المسؤولية الجماعية التي تتبنّاها الجمعية بقيادة رئيسها يحيى المطواط. رجلٌ لا يهدأ له بال كلما تعلق الأمر بمبادرة تنبع من قيم التضامن والتكافل، ويجتهد في أن يكون العمل الجمعوي وسيلة لبناء جسر دائم بين الوطن وأبنائه في المهجر.

والشكر هنا واجب له ولكل من يقف بجانبه من أعضاء الجمعية والمتطوعين، الذين لا يظهرون فقط في مناسبات الاحتفال، بل يبرزون في أوقات الشدّة، حين يصبح الصمت تواطؤاً، والمبادرة موقفاً.

من جهة أخرى، تحمل هذه المبادرة بُعداً توعوياً لا يقل أهمية، فهي تسلط الضوء على ظواهر تجارية موسمية باتت تُقلق الجالية، مثل استغلال تجار اللحوم لمناسبة العيد في تحقيق أرباح غير مشروعة، مما يجعل من الامتناع موقفاً مدنياً ضد الغلاء والسمسرة والاستغلال باسم الدين والشعيرة.

ولعلّ أجمل ما في هذا القرار، أنه لم يكن انتقاصاً من قدسية المناسبة، بل تأكيداً على أن التضحية الحقيقية لا تكون فقط بذبح خروف، بل بالتنازل عن ممارسة شخصية لصالح مصلحة أكبر، تماماً كما تقتضي الفلسفة العميقة لعيد الأضحى.

إن الجالية المغربية في إيطاليا، بهذا الموقف، لا تبرهن فقط على وعيها الوطني، بل تعكس أيضاً نضجها كمكوّن فاعل في المجتمع الإيطالي، يوازن بين تمسكه بهويته، وتفاعله مع قضاياه الأممية.

وفي الوقت الذي قد يتحفظ فيه البعض على هذه الخطوة، من منطلق اختلاف السياقات، فإن المبادرة في حد ذاتها تُعدّ تمريناً راقياً على المسؤولية الجماعية، ورسالة مفادها أن التضامن ليس جغرافيا، بل شعور وانتماء، وموقف.

فشكراً مرة أخرى لرئيس الجمعية يحيى المطواط، الذي أثبت مرة أخرى أن المبادرة ليست فقط موقفاً ظرفياً، بل ثقافةٌ راسخة يتقاسمها مع من اختاروا أن يكونوا في الصفوف الأمامية حين ينادي الوطن.



قراءة الخبر من المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى