من الرؤية الطموحة إلى الإحباط الكبير.. مستقبل مشاريع “مارتشيكا” في خطر

هبة بريس- محمد زريوح

مشاريع “مارتشيكا” في الناظور تعد من أبرز المبادرات التي كانت ترمي إلى تطوير المنطقة وتحويلها إلى قطب سياحي وبيئي من الطراز الرفيع، وهي محط اهتمام كبير من قبل السلطات العليا.

كان هذا المشروع يهدف إلى استثمار موقع المدينة الاستراتيجي على البحر الأبيض المتوسط، مع تحسين البنية التحتية، وتطوير السياحة، وتعزيز الاقتصاد المحلي. لكن, بعد مرور سنوات على انطلاق هذه المشاريع، نجد أن الوضع يثير الكثير من التساؤلات حول أسباب تعثر تنفيذها.

و تم تخصيص مبلغ ضخم يقدر بنحو 2600 مليار سنتيم لتنفيذ مشاريع “مارتشيكا” بالناظور. هذا المبلغ كان يُفترض أن يكون حجر الزاوية في تطوير المنطقة، وتحويلها إلى وجهة سياحية عالمية.

وكان من المتوقع أن يساهم هذا الاستثمار الكبير في تحسين وضع المدينة بشكل جذري، ويخلق فرص عمل جديدة ويجذب الاستثمارات الخارجية.

ولكن مع مرور الوقت، بدأ المشروع يعاني من تعثرات كبيرة، مما أثر على تطلعات المواطنين وأدى إلى فقدان الثقة في قدرة الجهات المعنية على إنجازه.

و من بين أبرز المشاريع التي أثارت آمالًا كبيرة مشروع “شارع القنطرة”، الذي كان يُفترض أن يكون من أجمل الشوارع على البحر الأبيض المتوسط. كان المشروع يشمل ممرات مائية، قنطرة معمارية مميزة، فضاءات تجارية، ومرافق ترفيهية.

في البداية، كان يُعرض المشروع بشكل متقن، مع تصميمات حديثة تم عرضها أمام الملك محمد السادس، مما رفع من سقف التوقعات.

ولكن مع مرور السنوات، اختفت هذه التصاميم بشكل تدريجي، وتوقف العمل في المشروع دون تقديم أي تفسيرات واضحة أو رسمية، ليصبح المشروع مجرد ورشة متوقفة بلا ملامح واضحة.

إلى جانب توقف العديد من المشاريع، تعاني مناطق مختلفة في الناظور من تدهور ملحوظ في البنية التحتية.

قرية أركمان، بوقانا، وكورنيش الناظور، وهي مناطق حيوية كان من المفترض أن تتحول إلى واجهات سياحية مشرقة، أصبحت تواجه مشكلات كبيرة تتعلق بالإهمال وغياب الصيانة.

الطرقات المهملة، البنايات غير المكتملة، والتدهور العام في الخدمات جعل هذه المناطق أقل جذبًا للسياح، بل وأثرت على جودة الحياة للمقيمين فيها.

و كانت المشاريع التي تندرج تحت رؤية “مارتشيكا” بالناظور توصف بأنها نموذجية في التهيئة العمرانية والنظافة والتحول البيئي. ومع ذلك، فقد تبين أن الكثير من هذه المشاريع بقيت حبيسة الشعارات.

على أرض الواقع، لم يطرأ التغيير المنشود، حيث توقفت الأشغال في معظم المشاريع، ولم تُنفذ المرافق التي تم الإعلان عنها، مما جعل المنطقة تعاني من مشاكل عمرانية متعددة، أبرزها نقص المرافق العامة، وتراجع مستوى الخدمات الأساسية.

و شهدت بعض مشاريع “مارتشيكا” تغييرات متكررة في التصاميم والبرامج التنفيذية. بعض التصاميم تم تبسيطها بشكل مفرط، والبعض الآخر تم إلغاؤه نهائيًا. هذه التغييرات لم تكن مبررة بشكل واضح، مما أثار العديد من التساؤلات حول أسبابها. فهل كانت هذه التعديلات نتيجة صعوبات مالية، أم أنها بسبب مشاكل تقنية، أم أن هناك صعوبات في التنسيق بين مختلف الجهات المعنية؟ غياب التفسير الرسمي جعل الوضع أكثر غموضًا، وزاد من القلق حول مستقبل المشاريع.

و من العوامل الرئيسية التي ساهمت في تعثر تنفيذ المشاريع هو ضعف التنسيق بين الجهات المعنية. التداخل في الاختصاصات بين الوكالة المشرفة على المشاريع، والجماعات المحلية، والوزارات الأخرى أدى إلى فوضى تنظيمية في الكثير من الأحيان.

هذا الضعف في التنسيق جعل من الصعب متابعة سير المشاريع بشكل فعال، مما أثر على جودة التنفيذ والوفاء بالمعايير المطلوبة.

و تواصل المشاريع المتوقفة تأثيرها السلبي على سمعة المنطقة. فإلى جانب تراجع مستوى الخدمات، يعاني المشروع من الإهمال المستمر، مما يزيد من الاستياء العام بين السكان والمستثمرين.

في حين كانت المشاريع تُعد بالتحول إلى وجهات سياحية رائدة، فإن الواقع يختلف تمامًا، حيث أصبحت المنطقة تفتقر إلى البنية التحتية الحديثة والمرافق اللازمة لجذب الزوار.

وتشير بعض المصادر إلى أن توقف المشاريع قد يكون مرتبطًا بعدم توصل الوكالة المشرفة على المشاريع بالتمويلات الحكومية المقررة.

هذا الوضع جعل المشاريع تعيش حالة من الإفلاس التنموي، ما أثر بشكل كبير على سير العمل. إذا كانت الحكومة قد خصصت المبالغ اللازمة لهذا المشروع الطموح، فإن غياب التمويل المستمر كان له تأثير بالغ على عدم إتمام الأعمال في وقتها المحدد.

و على الرغم من أن المشروع كان يتوقع أن يكون نقلة نوعية، فإن هناك العديد من التحديات المالية والتقنية التي تعيق تقدمه. من جانب، قد تكون الميزانية الأولية قد تبين أنها غير كافية لمواجهة التكاليف الحقيقية التي تترتب على تنفيذ المشاريع.

من جانب آخر، ربما واجهت بعض المشاريع صعوبات تقنية تتعلق بالبنية التحتية أو تأخر في تجهيز المعدات والمواد اللازمة.

و تأثرت الوكالة بشكل كبير جراء تعثر هذه المشاريع. فكان من المفترض أن تكون هذه المشاريع مصدرًا لفرص العمل الجديدة، ومنظومة اقتصادية متكاملة تدعم المنطقة.

ولكن بدلاً من ذلك، وجد المواطنون أنفسهم يواجهون تحديات كبيرة مثل تدهور الخدمات العامة، وغياب فرص العمل المستدامة، بالإضافة إلى نقص المرافق السياحية التي كان من المفترض أن تساهم في تحسين الدخل المحلي.

و مع الوضع الحالي المتعثر، يتزايد الأمل في أن تتدخل السلطات المعنية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل فوات الأوان.

فالتحديات التي تواجه المشروع تحتاج إلى حلول عاجلة، بدءًا من التنسيق بين الجهات المختلفة، إلى ضمان تدفق التمويل الحكومي بشكل مستمر. إن الفرصة ما زالت قائمة لتجاوز هذه الأزمة، بشرط تضافر الجهود والعمل الجماعي، وذلك لتجنب المزيد من التأخير أو الفشل.

و من أجل إنقاذ هذه المشاريع، يتوجب اتخاذ العديد من الخطوات الفعالة. أولاً، يجب إعادة تحديد الأولويات بشكل دقيق، مع التركيز على استكمال المشاريع التي يمكن أن تحقق عائدًا سريعًا على مستوى السياحة والاقتصاد المحلي. ثانيًا، ينبغي تحسين التنسيق بين جميع الأطراف المعنية، من السلطات المحلية إلى الوكالة المشرفة على المشروع. وأخيرًا، يجب تأمين مصادر تمويل مستدامة تضمن استمرارية المشاريع دون انقطاع.

في النهاية، يبقى مشروع “مارتشيكا” في الناظور بمثابة فرصة هامة لتحقيق التنمية المستدامة في المنطقة. ورغم التحديات الكبيرة التي يواجهها، إلا أن التوجيهات السليمة والتدخلات الفعالة يمكن أن تعيد الحياة للمشاريع المتوقفة وتحقق الأهداف الطموحة التي كان يهدف إليها.



قراءة الخبر من المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى