
التنمية المستدامة في المغرب بين الوعود المعلقة والواقع المؤلم
هبة بريس -عبد اللطيف بركة
تعد الاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة من الركائز الأساسية التي يعتمد عليها المغرب في مواجهة التحديات البيئية والاجتماعية والاقتصادية الراهنة، وقد حظيت هذه الاستراتيجية باهتمام كبير في السنوات الأخيرة، سواء على الصعيد الداخلي أو الدولي، باعتبارها إطارًا لتحقيق التنمية الشاملة التي توازن بين الحفاظ على البيئة وتحقيق النمو الاقتصادي المستدام.
لكن، ورغم الجهود المبذولة، فإن تأخر تنفيذ هذه الاستراتيجية يثير العديد من التساؤلات حول فعالية النظام الحكومي في تلبية الالتزامات البيئية والتنموية.
– غياب التنسيق بين القطاعات الحكومية: التحدي الأكبر
أحد أبرز الإشكالات التي تواجه تطبيق الاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة يتمثل في غياب التنسيق الفعّال بين مختلف القطاعات الحكومية المعنية. ففي الوقت الذي تركز فيه بعض الوزارات على الجوانب الاقتصادية أو الاجتماعية، يتأخر البعض الآخر في تنفيذ الالتزامات البيئية التي تم التعهد بها في العديد من الاتفاقيات الدولية. وقد تكون هذه الفجوة ناتجة عن ضعف التنسيق بين الوزارات وعدم وضوح الأدوار والمسؤوليات، مما يؤدي إلى التأخير في تنفيذ المشاريع البيئية والتنموية المهمة.
والأكثر إشكالية هو أن هذا التأخير قد ينعكس سلبًا على مصداقية المؤسسات الحكومية، ويؤثر على قدرة الحكومة في الوفاء بتعهداتها أمام المجتمع الدولي والمواطنين، ففي حين تتزايد المطالب بضرورة تطبيق سياسات بيئية فعّالة، يعاني العديد من المشاريع من الركود بسبب تعثر تنفيذها أو نقص التنسيق بين الجهات المعنية.
– البيئة ليست رفاهية بل ضرورة حتمية
التحديات البيئية التي يواجهها المغرب اليوم تتطلب معالجة عاجلة، تتجاوز الفكرة التقليدية بأن “البيئة” هي مجرد قضية ترف،فالمشاكل البيئية، مثل تلوث الهواء والماء، تدهور الأراضي، وتغير المناخ، تؤثر بشكل مباشر على صحة المواطن وتدفع نحو استنزاف الموارد الطبيعية بشكل يهدد الاستدامة على المدى الطويل. وبالتالي، فإن البيئة يجب أن تكون في قلب الاستراتيجيات الحكومية، وليس مجرد مجال يمكن تأجيله أو التغاضي عنه.
إن تحقيق التنمية المستدامة لا يمكن أن يتم إلا من خلال معالجة القضايا البيئية بجدية تامة، حيث تفرض الالتزامات الدولية والمحلية ضرورة العمل المتكامل بين القطاعات الحكومية والمؤسسات الخاصة والمجتمع المدني. فالحفاظ على البيئة لم يعد مجرد خيار بل هو “هاجس وطني” و”التزام دولي” ينبغي أن يُنفذ بشكل عاجل.
– التحديات المالية والإمكانات المحدودة
من جهة أخرى، لا يمكن تجاهل التحدي المرتبط بالإمكانات المالية المحدودة التي تواجه العديد من الوزارات المعنية بالتنمية المستدامة، فالدعم المالي اللازم لتنفيذ مشاريع ضخمة على مستوى البنية التحتية البيئية يتطلب ميزانيات ضخمة، وهو ما قد يعرقل تنفيذ الاستراتيجية بشكل سريع وفعّال.
لكن هذا لا يعني أن الاستراتيجية يجب أن تُترك جانبًا، بل لابد من التفكير في حلول مبتكرة مثل الشراكات بين القطاعين العام والخاص أو البحث عن تمويلات خارجية تتوافق مع الأهداف التنموية.
– التوجه نحو الحوكمة البيئية الفعّالة
لتحقيق أهداف الاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة، يجب أن تكون هناك حوكمة بيئية فعّالة وقوية، وهذه الحوكمة تتطلب وجود مؤسسات قادرة على التنسيق بين مختلف الجهات المعنية، وضمان متابعة دقيقة لتنفيذ السياسات البيئية بشكل يحقق النتائج المرجوة. كما يجب أن تتسم السياسات الحكومية بالشفافية والمساءلة، بحيث يتمكن المواطنون والمجتمع المدني من متابعة سير تنفيذ المشاريع وإبداء آرائهم واقتراحاتهم.
– أفق الإصلاح وضرورة الإصلاحات الهيكلية
في ظل التأخر الواضح في تطبيق الاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة، فإن المسؤولية اليوم تقع على عاتق الحكومة لتعزيز التنسيق بين القطاعات، وتفعيل آليات متابعة دقيقة وشفافة لضمان تطبيق الالتزامات. يجب على الحكومة أن تتحلى بالجدية الكافية في تنفيذ خططها البيئية، وأن تتبنى سياسة فعّالة لإشراك المجتمع المدني والقطاع الخاص في هذه الجهود.
إن التحديات البيئية التي يواجهها المغرب اليوم تحتاج إلى إصلاحات هيكلية في طريقة اتخاذ القرارات الحكومية وتوزيع الموارد. فلا يمكن لأي استراتيجية أن تنجح بدون دعم مؤسسي حقيقي، وبدون التزام حازم من جميع الأطراف المعنية. المملكة بحاجة إلى أن تسرع في تنفيذ هذه الاستراتيجيات لتكون قادرة على الحفاظ على بيئتها الطبيعية وضمان مستقبل مستدام للأجيال القادمة.
تابعوا آخر الأخبار من هبة بريس على WhatsApp
تابعوا آخر الأخبار من هبة بريس على Telegram
تابعوا آخر الأخبار من هبة بريس على X