تصريح بنكيران “البنات تزوجو القرايا ما نفعاكم” يثير جدل واسع

هبة بريس – عبد اللطيف بركة

في مشهد يعكس صراعا مستمرا بين تيارين متباينين في المجتمع المغربي، فجّر الأمين العام لحزب العدالة والتنمية ورئيس الحكومة السابق عبد الإله بنكيران، موجة غضب عارمة بتصريح مثير للجدل، قال فيه خلال كلمة ألقاها يوم أمس السبت 5 يوليوز الجاري في لقاء حزبي بأكادير:”من هاد المنبر كنقول للبنات سيرو تزوجو راه ما غادي تنفعكم لا قرايا لا والو.”.

تصريح بنكيران، الذي جاء في سياق انتقاده لما وصفه بـ”الحملات التي تدفع الفتيات لتأجيل الزواج”، لم يمر مرور الكرام، بل سرعان ما تحوّل إلى كرة ثلج على مواقع التواصل الاجتماعي، متدحرجة بين الغضب، السخرية، والتأييد، في مشهد يعكس حجم الانقسام المجتمعي حول قضايا المرأة وحقوقها.

– صدمة نسائية وغضب حقوقي مرتقب

من المرتقب أن تخرج منظمات حقوقية ونسائية عن صمتها في الساعات أو الأيام المقبلة، ضد التصريح الذي يشكل لتلك المنظمات نكسة حقيقية لمسار نضالي امتد لعقود، وطعنا في مكتسبات النساء المغربيات اللواتي ناضلن من أجل المساواة، تكافؤ الفرص، والحق في التعليم والعمل، دون أن يكون الزواج شرطًا لشرعيتهن الاجتماعية أو كرامتهن.

ففي الوقت الذي تسعى فيه الدولة إلى تعزيز مشاركة المرأة في الحياة الاقتصادية والسياسية، وتحقيق العدالة المجالية والإنصاف بين الجنسين، يأتي تصريح بنكيران ليبدو وكأنه دعوة إلى الرجوع إلى الوراء، وتكريس صورة نمطية تُقزّم المرأة في دور الزوجة فقط، وتحرمها من طموحها الشخصي والمهني.

– الدستور والتوجهات الملكية على المحك
ما يزيد من حدة الجدل أن تصريح بنكيران يتعارض صراحة مع مقتضيات الدستور المغربي، الذي ينص على المساواة بين الرجال والنساء، ويُلزم الدولة بضمان تكافؤ الفرص ورفع الحيف عن المرأة، كما يتنافى مع التوجهات الملكية الداعية إلى مراجعة مدونة الأسرة بما يكرس العدالة والكرامة للمرأة، بعيدًا عن الوصاية أو التبعية.

فكيف يمكن فهم تصريح بهذا الحجم من شخصية سياسية تحملت مسؤولية رئاسة الحكومة، وكانت لسنوات وجهًا بارزًا في المشهد السياسي، بل ومشاركًا في صياغة السياسات العمومية التي من المفترض أن تخدم جميع المواطنين، نساءً ورجالًا؟.

– احتفاء شعبي أم شعبوية؟

ورغم موجة الانتقادات، لقي تصريح بنكيران تأييدًا ملحوظًا من بعض الأوساط الشعبية المحافظة، التي اعتبرت كلامه “واقعًا معاشًا” و”نصيحة صادقة”، في ظل ما تعتبره انزياحًا خطيرًا عن “قيم الأسرة”، لكن آخرين يرون في هذا الموقف عودة إلى الخطاب الشعبوي الذي لطالما استخدمه بنكيران لكسب ود الشارع، حتى ولو على حساب مبادئ دستورية وحقوق إنسانية أساسية.

– التعليم مقابل الزواج؟ معادلة مغلوطة

النقاش لا يقف عند حدود الجدل السياسي أو الأخلاقي، بل يضرب في العمق التربوي والتنموي، فتصوير التعليم وكأنه لا جدوى منه للفتيات، هو ضرب مباشر لمبدأ المساواة في الحق في التعلم، وقد يفسر خاصة في المناطق المهمّشة كتشجيع ضمني على هدر تعليم الفتيات بالمدارس، في وقت تبذل فيه الدولة مجهودات ضخمة لمحاربة الهدر المدرسي وسط الإناث.

– نحو مواجهة مفتوحة؟

لا يُستبعد أن يتحول هذا التصريح إلى قضية رأي عام تُثير تحركًا واسعًا من جمعيات نسائية، فعاليات أكاديمية، ومثقفين، بل حتى مؤسسات دستورية، خاصة في ظل تزامنها مع ورش تعديل مدونة الأسرة.
فهل كان تصريح بنكيران زلّة لسان أم موقفًا متعمّدًا يغازل القاعدة الانتخابية المحافظة؟.

وهل نقاش “المرأة بين التعليم والزواج” هو نقاش اجتماعي حقيقي أم مجرد قناع لصراع سياسي أكبر حول هوية المجتمع المغربي؟

أسئلة تضع المشهد العام أمام مفترق طرق: بين التقدم نحو مجتمع ديمقراطي حداثي يكرّس الحقوق دون تمييز، أو العودة إلى قوالب تقليدية تُجمّد طموحات نصف المجتمع.



قراءة الخبر من المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى