هبة بريس
تحوّل الفساد في الجزائر إلى عقيدة حاكمة، حيث يجتهد المفسدون في اختراع إجراءات ترفيهية لمحاربة هذه الآفة التي يتغذّون منها.
النهب المنظم للمال العام في الجزائر
وبالرغم من الفضائح التي كشفتها المحاكمات السابقة وأظهرت حجم النهب المنظّم في صفوف كبار المسؤولين، يواصل النظام الجزائري سياسة “التجميل المالي” عبر أرقام ضخمة تُدرج تحت لافتة محاربة الفساد.
وقد خصصت الحكومة الجزائرية ضمن مشروع قانون المالية لسنة 2026 ميزانية هائلة لقطاع العدالة، بزعم “تعزيز إمكاناته في مكافحة الفساد والرقابة على الأموال العمومية”، بينما الواقع يؤكد أن هذه الأموال نفسها ستكون وقوداً لفساد جديد.
ووفق المعطيات الرسمية، تبلغ ميزانية هذا القطاع أكثر من 179 مليار دينار جزائري، مع اعتمادات إضافية تتجاوز 182 مليار دينار لتغطية ما تسميه الحكومة “نفقات النشاط القضائي وإدارة السجون وقمع الفساد”.
أما توزيع المبالغ، فجاء مثيراً للسخرية: 89.6 مليار دينار للنشاط القضائي، و81.6 مليار دينار لإدارة السجون، و2.1 مليار دينار لـ”قمع الفساد”، و7.08 مليار دينار لما يسمى بالإدارة العامة للجهاز القضائي، فيما تم تخصيص 3 مليارات دينار للوقاية من الفساد ومثلها لتسيير “السلطة العليا للشفافية”.
فساد بنيوي مزمن بالجزائر
كما خصص النظام 1.2 مليار دينار لمجلس المحاسبة و332 مليون دينار إضافية لتغطية مصاريف “السلطة العليا للشفافية والوقاية من الفساد ومكافحته”، بينما تم رصد 3.8 مليارات دينار للمحكمة العليا، و1.6 مليار دينار لمجلس الدولة، و520 مليون دينار لكل من المجلس الأعلى للقضاء وضمان “استقلالية القضاء” التي لا وجود لها في الواقع.
وما يزيد المشهد عبثية هو إعلان الحكومة عن وضع “آلية لتدبير المحجوزات الناتجة عن قضايا الفساد”، أي الأموال والممتلكات المصادرة من رجال الأعمال والمسؤولين المدانين، وهي صيغة مبطنة لتقنين نهب جديد يتمّ بعيداً عن أي رقابة أو شفافية. بعبارة أخرى، النظام الذي سرق البلاد يتولّى الآن إدارة ما سرقه، ليصبح “محاربة الفساد” مجرد غطاء لإعادة تدوير الغنائم.
وتؤكد الأرقام الدولية الصورة القاتمة ذاتها، إذ لم تتجاوز الجزائر 34 نقطة من أصل 100 في مؤشر مدركات الفساد لعام 2024 الصادر عن منظمة الشفافية الدولية.
أما معدلها العام منذ 2003 فلا يتعدى 32.3 نقطة، في حين كان أعلى مستوى بلغته لا يتجاوز 36 نقطة سنة 2013، لتبقى البلاد غارقة في فساد بنيوي مزمن يكرّسه نظام عسكري لا يعرف سوى منطق النهب والإفلات من العقاب.
0 تعليقات الزوار