هبة بريس – أحمد المساعد
في تحليل عميق للقرار الأخير الصادر عن مجلس الأمن حول ملف الصحراء، أكد الدكتور خالد شيات، أستاذ القانون الدولي والعلاقات الدولية بجامعة محمد الأول بوجدة في تصريح له لموقع “هبة بريس”، أن القرار بُني على تركيبة دولية معقدة وغير منسجمة تمامًا، كاشفًا عن الأبعاد الجيوسياسية والاقتصادية التي أثرت على مواقف بعض الدول الأعضاء.
التوازنات المعقدة في مجلس الأمن
أشار الدكتور شيات إلى أن النمط التمثيلي لمجلس الأمن ينقسم إلى خمس دول دائمة العضوية تتمتع بحق النقض (الفيتو)، وعشر دول غير دائمة يتم انتخابها بالتناوب بناءً على التوزيع الجغرافي. وأوضح أن تركيبة المجلس الحالية كان لها تأثير كبير على الرهانات الدبلوماسية المغربية.
وربط شيات موقف سلوفينيا، بوجود علاقات اقتصادية وتجارية قوية مع الجزائر، خاصة في مجال الغاز والبترول، بالإضافة إلى نزعة يسارية لحكومتها، فيما عزى امتناع باكستان عن التصويت إلى اعتمادها على الموقفين الروسي والصيني، وارتباط قرارها بالخارجية بالتقابل مع الهند، التي تربطها بالمغرب علاقات عسكرية استراتيجية قوية.
واعتبر شيات أن الامتناع عن التصويت من طرف باكستان وروسيا والصين جاء موقفًا إيجابيًا بالنظر للتحالفات القائمة، مردفاً أن موقف الدول المؤيدة للقرار، يرتبط بعوامل عدة، منها قراءات في مفهوم العدالة الدولية، أو وجود قنصليات لها في الأقاليم الجنوبية المغربية، أو علاقات تاريخية واستراتيجية مع المملكة. دور “حامل القلم” والدبلوماسية طويلة الأمد
بالرغم من التأثير الكبير لـ “حامل القلم” (الولايات المتحدة الأمريكية) في صياغة القرار، شدد الأستاذ شيات على أن الصياغة النهائية لم تكن حكرًا عليه، وأن محاولات التعديل العديدة التي طالت المصطلحات والكلمات والجمل، كانت بهدف إيجاد نوع من التوازن وتجنب المواقف المتطرفة التي قد تؤدي إلى رفض القرار أو استخدام حق النقض.
وأكد الدكتور شيات أن ما حدث ينم عن دبلوماسية مغربية “طويلة الأمد” وممتدة على مستوى المبادئ، حيث اعتمدت على مبدأي الاستقلالية ومراعاة التنوع الاستراتيجي مع القوى الكبرى كالولايات المتحدة والصين وروسيا.
التدخل الملكي وضمانة أساسية للنجاح
اعتبر شيات أن هناك قاعدة وضمانة أساسية وراء هذا القرار تتمثل في التدخل المباشر لجلالة الملك، الذي يمتلك “وزنًا كبيرًا جدًا في هذه التوازنات” بمجلس الأمن، وهو ما أكده وزير الخارجية في تصريحات سابقة.
كما أشار إلى أن الخيارات المغربية على المستوى الاقتصادي والتصوري في الساحل والصحراء والواجهة الأطلسية وغرب إفريقيا، أتاحت للمغرب إمكانية الموازنة بين المبدئية والمصلحة، الأمر الذي عزز موقفه في القرار الأممي.
الخطاب الملكي: منعرج نحو “الفتح” المغاربي
وفي قراءة سريعة للخطاب الملكي الذي أعقب صدور القرار الأممي، أوضح الدكتور شيات أن سرعة الخطاب كانت دليلاً على تفاعل كبير، وأن جلالة الملك أراد من خلاله وضع الحل النهائي للقضية في إطار المنظومة الإقليمية الحضارية التي ينتمي إليها المغرب، وهي المنطقة المغاربية.
واختتم تحليله بالإشارة إلى دلالة وصف الخطاب الملكي للقرار بأنه “فتح” (اقتباساً من الآية الكريمة: “إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً”)، مُبينًا أن “الفتح ليس هو الانتصار”، بل هو مصطلح إسلامي يحمل معاني التسامح والعفو، ويتجلى في دعوة جلالة الملك لاستقبال جميع الصحراويين المتواجدين في تندوف. وأكد أن هذا الخطاب يؤطر الحل في إطار حضاري مغاربي، سيكون هو “الفائز الرابح الكبير” عبر اندماج اقتصادي وتعاون تستفيد منه شعوب المنطقة.

0 تعليقات الزوار