“اسمك يكفي ليُغلق الباب”.. المغاربة في مواجهة العنصرية العقارية باسبانيا

حجم الخط:

هبة بريس – (عمر الرزيني – مكتب برشلونة)

في مدنٍ إسبانية كثيرة، حيث تُرفع شعارات المساواة والكرامة الإنسانية، يعيش آلاف المغاربة تجربةً مختلفة تمامًا — تجربةَ الإقصاء الصامت والتمييز الخفي في سوق السكن. خلف واجهات الإعلانات المشرقة وعبارات “الترحيب بالجميع”، تختبئ نظرات الشكّ، وأسئلة الهوية، وعبارات الرفض المغلّفة بالمجاملات.

أرقام صادمة تكشف حجم المشكلة فالدراسات الحديثة أظهرت أن المواطنين من أصول مغربية يواجهون نسب رفضٍ في الإيجار تفوق أحيانًا 60٪ مقارنةً بغيرهم. أصحاب الوكالات العقارية وبعض المُلّاك لا يخفون تفضيلهم “لمستأجرين أوروبيين”، بينما يُقصى المغاربة بهدوء من قوائم الانتظار، أو يُخبرون أن الشقة “أُجّرت للتو”.

التمييز العقاري لا يتركز في مكانٍ واحد. من باريس إلى برشلونة، ومن بروكسيل إلى مدريد، تتكرر القصص نفسها. لكن شمال إسبانيا وجنوب فرنسا يُعدّان من أكثر المناطق التي تتكرّر فيها شكاوى المغاربة. في برشلونة مثلًا، تشتكي الجالية من سماسرة يغيّرون لهجتهم فور سماع اسم عربي أو لهجة مغربية عبر الهاتف.

فالعنصرية العقارية لم تعد تُعلن بصوتٍ عالٍ، بل تتخفّى وراء شروطٍ “محايدة” ظاهريًا: طلب دخلٍ مرتفع غير منطقي، أو ضماناتٍ مبالغ فيها، أو اشتراط عقد عمل دائم، وهي معايير تستبعد المهاجرين تلقائيًا. البعض يُواجه أيضًا تعليقات جارحة مثل “نريد جيرانًا هادئين” أو “نخشى من العائلات الكبيرة”.

تتجاوز آثار هذه الممارسات حدود الجدران والأسقف. كثير من المغاربة يشعرون بالإهانة والعزلة، وكأنهم غرباء في مدنٍ ساهموا في بنائها. تتحدث خديجة ، شابة مغربية في برشلونة عن إحساسها بالخذلان قائلة: “كنت أعتقد أن الكفاءة تكفي، لكنني اكتشفت أن الإسم واللكنة ما زالا يقرران مصيري.”

هذا الشعور يولّد فقدان الثقة بالمجتمع، ويدفع البعض إلى العيش في أحياء مغلقة، مما يعمّق الفجوة بين الجاليات والمجتمع المضيف.

فخلف هذا التمييز تختبئ تراكمات من الصور النمطية والمخاوف الاجتماعية. الإعلام يسهم أحيانًا في ترسيخ فكرة “المهاجر المزعج” أو “الجار المختلف”. كما أنّ غياب القوانين الصارمة والرقابة الفعلية على السوق العقاري يترك الباب مفتوحًا أمام الممارسات العنصرية دون محاسبة.

فجوهر الأمر، ليست العنصرية العقارية مجرد مسألة إيجار أو سكن، بل قضية كرامة وإنسانية. فالمغربي الذي يبحث عن بيتٍ يحتضنه لا يطلب امتيازًا، بل حقًا بسيطًا في أن يُعامل بإنصاف، دون أن يُدان باسمه أو ملامحه أو لهجته. إنها معركة يومية ضد جدارٍ خفي من الأحكام المسبقة، جدارٍ لا يُرى بالعين، لكنه يُشعر صاحبه بالاغتراب في وطنٍ كان يحلم أن يجد فيه الأمان والانتماء

0 تعليقات الزوار

الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي الموقع

اترك تعليقاً