هنا بريس
شهدت البلاد أمس سلسلة احتجاجات لفتت الأنظار، ليس فقط بسبب مجريات الأحداث على الأرض، وإنما أيضًا بفعل ما رافقها من تفاعل على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث لوحظت حالة من التشفي لدى عدد من رواد الفضاء الرقمي العرب، من بينهم صحفيون ومثقفون، عبّروا بشكل علني عن رغبتهم في استمرار الانفلات وخروج الأمور عن السيطرة.
هذا التفاعل لم يقف عند حدود التعليق أو النقد، بل تعداه إلى ترويج شائعات خطيرة، من أبرزها الادعاء بوجود وفيات عديدة في صفوف المحتجين، في محاولة لإضفاء طابع درامي على المشهد وتأجيج الوضع. مثل هذه الأخبار الزائفة تكشف مجددًا الدور المزدوج الذي تلعبه وسائل التواصل الاجتماعي: فهي أداة لنقل المعلومة السريعة، لكنها أيضًا فضاء خصب لتضخيم الوقائع وصناعة روايات غير دقيقة.
اللافت أن التشفي لم يأتِ فقط من حسابات مجهولة أو غير رسمية، بل أيضًا من بعض الأصوات المحسوبة على النخبة الثقافية والإعلامية، وهو ما يطرح تساؤلات عميقة حول موقع هذه الفئة في النقاش العام: هل هي معنية بتنوير الرأي العام وإنتاج خطاب مسؤول، أم أنها تذوب في منطق الاصطفاف والشماتة؟
في المقابل، تظل التجربة المغربية معروفة تاريخيًا بقدرتها على امتصاص الأزمات عبر الحوار وإيجاد توازن بين المطالب الاجتماعية وضرورات الاستقرار. فبينما قد يسعى البعض إلى تضخيم الاحتجاجات وتحويلها إلى مادة لتصفية الحسابات، يبقى التحدي الأكبر هو الحفاظ على النقاش العمومي داخل إطار وطني، بعيدًا عن منطق التشفي الخارجي أو الشائعات المضللة.
خلاصة القول: الأحداث الأخيرة لم تُظهر فقط صعوبة إدارة الاحتجاجات في الشارع، بل عرّت أيضًا هشاشة الخطاب الرقمي في المنطقة العربية، حيث يمكن أن تتحول بعض الأصوات إلى وقود إضافي للأزمة بدل المساهمة في حلها. وهنا تتأكد الحاجة الملحة إلى خطاب إعلامي مسؤول يميز بين النقد البنّاء والتشفي، وبين نقل الحقيقة وصناعة الوهم.

0 تعليقات الزوار