هبة بريس- عبد اللطيف بركة
منذ أكثر من خمسين عاماً، ظل ملف الصحراء المغربية واحداً من أعقد النزاعات الإقليمية في إفريقيا والعالم العربي. نزاعٌ تداخلت فيه السياسة بالتاريخ، والمشروعية بالسيادة، والهوية بالشرعية الدولية.
لكن التطورات الدبلوماسية المتسارعة خلال العامين الأخيرين تشير إلى تحول جوهري في الموقف الدولي، جعل الكثير من المراقبين يتحدثون عن “إنصاف دولي للمغرب” في قضيته التاريخية، مدعوماً بقرارات مجلس الأمن ومواقف الأمم المتحدة الجديدة.
– من الاستعمار الإسباني إلى مبادرة الحكم الذاتي
بدأت جذور النزاع في منتصف سبعينيات القرن الماضي، حين انسحبت إسبانيا من الصحراء بموجب “اتفاقيات مدريد” عام 1975.
وفي العام نفسه، أطلق الملك الحسن الثاني “المسيرة الخضراء”، التي شارك فيها أكثر من 350 ألف مغربي للمطالبة باسترجاع “الأقاليم الجنوبية”، لتصبح كما كانت عبر التاريخ رمزاً للسيادة الوطنية.
غير أن جبهة البوليساريو، المدعومة من الجزائر، أعلنت قيام “الجمهورية الصحراوية” عام 1976، لتندلع مواجهات مسلّحة استمرت حتى توقيع اتفاق وقف إطلاق النار عام 1991، بإشراف بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء المغربية (MINURSO).
ومنذ ذلك الحين، ظلّ الملف يراوح مكانه بين مقترحات تقرير المصير ومحاولات الاستفتاء، إلى أن طرح المغرب عام 2007 مبادرة الحكم الذاتي كحلّ سياسي نهائي، يمنح سكان الصحراء إدارة شؤونهم المحلية في ظل السيادة المغربية.
– التحوّل الدبلوماسي: من الحياد إلى الاعتراف
شهدت السنوات الأخيرة تغيّرا عميقا في المواقف الدولية تجاه مقترح المغرب من ضمنها أن مجلس الأمن جدد ولايته لبعثة “مينورسو” في قراريه 2703 (2023) و2756 (2024)، مؤكدًا أن الحل يجب أن يكون “سياسياً، واقعياً، عملياً، ومستداماً”.
هذه الصيغة، التي تكررت في كل القرارات منذ 2018، تُعدّ اعترافاً ضمنياً بأن مقترح الحكم الذاتي هو الخيار الأكثر جدّية ومصداقية، كما وصفتها نصوص المجلس نفسها.
كما أقرّ المجلس في قراره الأخير إشراك الجزائر كطرف رئيسي في المفاوضات، بعدما كانت تُعامل سابقاً كطرف داعم فقط، وهو ما يعدّ مكسباً دبلوماسياً واضحاً للرباط.
الأمم المتحدة، عبر أمينها العام أنطونيو غوتيريش ومبعوثها الشخصي ستافان دي ميستورا، جددت التأكيد على أن المسار الأممي يقوم على “موائد مستديرة” تضمّ المغرب، الجزائر، موريتانيا، والبوليساريو، بهدف التوصل إلى حلّ سياسي دائم ومتفق عليه.
– الاعتراف الدولي: نحو “إنصاف للمغرب”
تزايدت في العامين الأخيرين موجة الاعترافات الدولية بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، وهو ما وصفه بعض المحللين بـ”التحول الجيوسياسي الأبرز في شمال إفريقيا منذ عقود”.
الولايات المتحدة اعترفت بسيادة المغرب على الصحراء عام 2020، وجددت إدارة بايدن التزامها بالموقف ذاته مع دعم عملية الأمم المتحدة.
إسبانيا، القوة الاستعمارية السابقة، بدّلت موقفها التاريخي في مارس 2022 عندما وصف رئيس حكومتها بيدرو سانشيز مبادرة الحكم الذاتي بأنها “الأساس الأكثر جدّية وواقعية ومصداقية للحل”.
فرنسا، في يوليوز 2024، أعلنت رسميًا عبر وزير خارجيتها عن “اعتراف باريس بسيادة المغرب على الصحراء”، لتُحدث صدى واسعاً في أوروبا.
دول إفريقية وعربية عدّة – من بينها الإمارات، البحرين، السنغال، وتشاد افتتحت قنصليات في مدينتَي العيون والداخلة، ما شكّل تأكيداً عملياً للسيادة المغربية على الأرض.
– قرارات الأمم المتحدة: توازن بين الواقعية وتقرير المصير
رغم التحول الواضح في الموقف الدولي، لا تزال الأمم المتحدة تؤكد في قرارات جمعيتها العامة، وآخرها الصادر في أكتوبر 2025، أن الصحراء المغربية تبقى “إقليماً غير متمتع بالحكم الذاتي”، وأن حق تقرير المصير مبدأ أساسي.
لكن اللافت أن لغة القرارات لم تعد تتحدث عن “الاستفتاء” كخيار وحيد، بل عن حل سياسي توافقي يراعي تطلعات السكان ويأخذ بالاعتبار مقترحات الأطراف.
هذا التغيّر اللغوي في وثائق الأمم المتحدة يُعد في نظر الخبراء تحوّلا استراتيجياً يقرّ عمليا بسيادة المغرب دون المساس بشرعية المنظمة الأممية.
– إنصاف دبلوماسي لا يعني نهاية النزاع
يصف عدد من الباحثين المرحلة الحالية بأنها “نقطة إنصاف دبلوماسي للمغرب”:
فالمملكة تمكّنت من تحويل ملفٍ كان يُقدَّم لعقود كقضية “استعمار” إلى ملف “حلّ سياسي توافقي”، وهو تحوّل بنيوي في المنظور الدولي.
لكن هذا لا يعني نهاية الصراع بالكامل، إذ لا تزال جبهة البوليساريو متمسكة بمطلب الاستقلال، وتواصل الجزائر دعمها السياسي لها، فيما تبقى الأمم المتحدة ملتزمة بدور الوسيط في انتظار قرار مجلس الأمن نهائي مساء اليوم الجمعة 31 أكتوبر الجاري.
– المغرب في موقع قوة ومسؤولية
بعد نصف قرن من التوترات، يبدو أن المغرب بات في موقعٍ دبلوماسي أقوى من أي وقت مضى، فقرارات مجلس الأمن، ومواقف الأمم المتحدة، والتحوّل في السياسات الأوروبية والعربية، كلّها تصبّ في اتجاه واحد: الاعتراف الواقعي بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية.

 
                     
                     
                     
                     
                     
                     
                     
                     
                     
                    
0 تعليقات الزوار