هبة بريس – عبد اللطيف بركة
لا يزال الجدل محتدماً في الأوساط الاقتصادية والبرلمانية حول إمكانية فرض ضريبة على الثروة في المغرب، باعتبارها أداة لتحقيق العدالة الاجتماعية وتقليص الفوارق الطبقية. غير أن وزارة الاقتصاد والمالية تؤكد أن هذا الإجراء، رغم وجاهته من الناحية المبدئية، يصطدم بمجموعة من العوائق التقنية والقانونية التي تجعل إخراجه إلى حيز التنفيذ أمراً معقداً ومؤجلاً.
وتوضح الوزارة أن إحداث ضريبة على الثروة يتطلب دراسات معمقة وشاملة لتحديد الفئات المستهدفة وطبيعة الأصول التي ستخضع للضريبة، إضافة إلى وضع معايير دقيقة لتقييمها وتحديد نسب الفرض، مع مراعاة الانعكاسات الاقتصادية والاجتماعية المترتبة عنها. فالمسألة، بحسب المصدر ذاته، لا تقتصر على إصدار نص قانوني، بل تستلزم رؤية متكاملة توازن بين العدالة الجبائية واستقرار المناخ الاقتصادي.
النقاش حول هذه الضريبة ليس جديداً ولا يقتصر على المغرب، إذ تعرف دول عديدة انقساماً في المواقف بشأنها. فالمؤيدون يرون فيها وسيلة فعالة لإعادة توزيع الثروة ومكافحة التفاوت الاجتماعي، بينما يحذر المعارضون من آثارها السلبية المحتملة، وعلى رأسها احتمال تهريب رؤوس الأموال وهجرة الأثرياء إلى دول أخرى بحثاً عن أنظمة ضريبية أكثر مرونة، مما قد يؤدي إلى إضعاف الاستثمار الوطني.
ومن بين أبرز العوائق التي تواجه إقرار هذه الضريبة، صعوبة تحديد وتقييم الأصول المشمولة بها، خصوصاً العقارات والمنقولات والقيم المنقولة والتحف الفنية والمجوهرات. كما يثار تساؤل حول مدى ملاءمة مبلغ الضريبة مع القدرة المالية الحقيقية للأشخاص الذين يمتلكون أصولاً غير منتجة للدخل، فضلاً عن احتمال لجوء بعض المكلفين إلى أساليب تهرب يصعب تتبعها، كتحويل ممتلكاتهم إلى شركات أو أطراف أخرى.
القانون الإطار المتعلق بالإصلاح الجبائي، الذي يُعتبر المرجعية الأساسية للسياسة الضريبية الوطنية، لا يتضمن حالياً أي نص يتعلق بضريبة خاصة على الثروة أو الممتلكات. ويركز بدلاً من ذلك على مبدأ فرض الضريبة على الدخل الإجمالي للأشخاص الطبيعيين، بنسبة هامشية تصل إلى 37%، باعتبارها آلية كفيلة برفع مساهمة الفئات ذات الدخل المرتفع وتحقيق نوع من العدالة الضريبية دون اللجوء إلى ضريبة جديدة.
وفي إطار تنزيل هذا التوجه، تم خلال السنتين الماليتين الأخيرتين اعتماد مجموعة من الإجراءات الرامية إلى تعزيز الرقابة الضريبية ومحاربة الغش، من بينها مراجعة المسطرة الخاصة بفحص الوضعية الضريبية للأفراد للتأكد من مطابقة التصريحات مع النفقات والأصول والموجودات النقدية، إضافة إلى إخضاع بعض الدخول غير المصنفة سابقاً للضريبة، مثل مكاسب ألعاب الحظ والأرباح الناتجة عن عمليات مالية غير تقليدية.
وهكذا، تبدو الضريبة على الثروة في الوقت الراهن فكرة مؤجلة أكثر منها سياسة قيد التنفيذ. فرغم ما تحمله من رمزية اجتماعية قوية، تظل محاطة بعوائق “مبهمة” تتعلق بآليات التقدير والتطبيق، في ظل تفضيل السلطات التركيز على إصلاح النظام الجبائي الحالي وتوسيع قاعدته لتحقيق العدالة في المساهمة، دون الإضرار بجاذبية الاقتصاد الوطني.

0 تعليقات الزوار