هبة بريس – محمد زريوح
لم تعد الزيارات المفاجئة للمسؤولين العموميين حدثًا استثنائيًا، بل أصبحت جزءًا من المشهد السياسي والإداري في بلادنا. لكن الغريب هو أن هذه “المفاجآت” كثيرًا ما تتحول إلى مشاهد مدروسة بعناية، حيث يطغى التهييء المسبق على العفوية المنتظرة، ويغيب الواقع الفعلي للخدمات المقدمة للمواطنين.
زيارة وزير الصحة إلى المستشفى الحسني بالناظور مساء الاربعاء 16 شتنبر جاءت في هذا السياق. فالغاية المعلنة كانت الاطلاع على الوضع الصحي وتعزيز العرض العمومي بالمنطقة، غير أن ملامح التحضير المسبق بدت واضحة: تجهيزات جديدة لم تُر من قبل، أطباء وممرضون بكامل هندامهم، ومرضى تم اختيارهم بعناية لإعطاء انطباع وردي عن المؤسسة الصحية.
من المفترض أن تكون هذه الزيارات مناسبة لاكتشاف الخلل، والاستماع بصدق إلى المواطنين ومهنيي القطاع، غير أنها في كثير من الأحيان تتحول إلى “عرض تمثيلي”، حيث يُراد إقناع الوزير، وربما الرأي العام، بأن كل شيء يسير على ما يرام. وهو ما يطرح سؤالًا مشروعًا: هل الهدف هو الإصلاح أم التسويق؟
اللافت أيضًا أن الإعلام بالناظور لم يُدعَ لحضور هذه الزيارة. غياب الصحافة المستقلة حرم المواطنين من رواية متوازنة، وفتح الباب أمام تأويلات كثيرة. فحين يُقصى الإعلام من لعب دوره الرقابي، تُزرع الشكوك حول شفافية المسؤولين في مواجهة الواقع.
تجربة أكادير لا تزال ماثلة أمامنا، حيث اندلعت احتجاجات واسعة بسبب تردي الخدمات الصحية، وانتهت بإعفاءات داخلية. كان المنتظر أن تُستوعب الدروس من تلك الأحداث، وأن تأتي زيارة الوزير للناظور بروح الإنصات والانفتاح، لا بروح الإخراج الإعلامي.
المفارقة أن المواطن هو المتضرر الأكبر من هذا المشهد المتكرر. فبينما يُهدر الوقت في التجميل وإخفاء العيوب، تبقى معاناة المرضى في طوابير الانتظار، وتستمر شكاياتهم من ضعف التجهيزات ونقص الأطر. الإصلاح الحقيقي لا يتحقق أمام عدسات الكاميرات، بل في غرف المستعجلات ومكاتب الأطباء وصيدليات المستشفى.
إن تعزيز العرض الصحي في الناظور لا يتطلب زيارة بروتوكولية، بل يتطلب سياسة صحية جادة، تشمل تحسين البنية التحتية، توفير الموارد البشرية، وتجويد الخدمات العلاجية. وهذه الإجراءات لا تحتاج إلى “مسرحيات”، بل إلى إرادة سياسية ومحاسبة حقيقية.
كما أن إشراك الإعلام، بدل تهميشه، يمكن أن يُحول هذه الزيارات إلى فضاء للنقاش الجاد والشفاف. فالصحافة الحرة ليست خصمًا للمسؤول، بل شريكًا في نقل صوت المواطن وتوجيه النقد البناء.
في النهاية، يظل السؤال مطروحًا: هل نريد زيارات لتلميع الصورة، أم نريد إصلاحًا جذريًا يعكس الواقع كما هو؟ المواطن لا يحتاج إلى مشاهد معدّة مسبقًا، بل إلى خدمات صحية تحفظ كرامته وتلبي حاجاته، بعيدًا عن منطق “العرض المسرحي” الذي لم يعد ينطلي على أحد.
0 تعليقات الزوار