حين يهاجر ميراوي الوزير السابق ويترك الوطن خلفه… بأي وجه نُخاطب الطلبة البسطاء ؟

حين يهاجر ميراوي الوزير السابق ويترك الوطن خلفه… بأي وجه نُخاطب الطلبة البسطاء ؟
حجم الخط:

هبة بريس – محمد زريوح

حين يقرر وزير سابق للتعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، عبد اللطيف ميراوي، مغادرة بلاده والبحث عن فرصة عمل في الخارج، فإن الأمر يتجاوز مجرد خيار شخصي، ليتحول إلى رسالة صادمة تُقرأ على أكثر من مستوى.

فإذا كان المسؤول الأول يومًا عن الجامعة والبحث العلمي لم يجد لنفسه مكانًا في مؤسسات الوطن، فماذا يمكن أن نقول للطلبة والخريجين الذين يقفون على أعتاب سوق الشغل بانتظار فرصة قد لا تأتي؟

الأكثر إثارة للدهشة أن ميراوي لا يخفي الأمر، بل يفاخر بكونه يدرّس خارج الوطن، وكأن في ذلك إنجازًا شخصيًا يتباهى به. لكن خلف هذه المفاخرة تختبئ أزمة عميقة: أزمة ثقة في الوطن وقدرته على احتضان كفاءاته، وأزمة نظام تعليمي يُفترض فيه أن يكون مصدر جذب لا طرد.

إنها رسالة مفزعة للشباب: إذا كان ميراوي نفسه، الذي امتلك يومًا مفاتيح الجامعة والبحث العلمي، لم يجد ما يستحق البقاء، فكيف سيكون الحال بالنسبة لخريج يبحث عن أول وظيفة؟ كيف سيقنع الشاب نفسه بالاستمرار في المحاولة، بينما من يفترض أنه القدوة هاجر بحثًا عن أفق أوسع؟

هذا السلوك يضع صورة قاتمة أمام الأجيال الصاعدة. فالهجرة هنا لم تعد خيارًا فرديًا تحكمه الطموحات أو المغامرة، بل صارت شبه اعتراف رسمي بأن الداخل غير قادر على استيعاب الطاقات. الوطن يبدو وكأنه يطرد أبناءه، كما يلفظ الجسد أعضاءه حين يعجز عن احتضانها.

نزيف الأدمغة لم يعد خطرًا بعيدًا، بل واقعًا يتفاقم يومًا بعد يوم. حين يغادر أساتذة جامعيون، وباحثون، ومهندسون، وأطباء، يتركون فراغًا يصعب ملؤه، ويؤكدون أن الاستثمارات في تكوين العقول تتحول إلى هدية مجانية للخارج.

الأدهى أن هذه الرسائل تُبث للشباب في مرحلة هم بأمس الحاجة فيها إلى الأمل. فبدل أن يروا في ميراوي، الوزير السابق، رمزًا للوفاء لمؤسساته الوطنية، يجدونه يقدم نموذجًا للهجرة كخلاص فردي، متجاهلًا ما يخلّفه ذلك من إحباط لدى آلاف الطلبة.

قد يقول قائل إن لكل إنسان الحق في اختيار مستقبله، وهذا صحيح. لكن حين يتعلق الأمر بشخصية تولت حقيبة وزارية في قطاع استراتيجي كالتعليم العالي، فإن خياره يتجاوز البعد الشخصي ليصبح سياسيًا ورمزيًا. فمغادرته تُقرأ باعتبارها فشلًا للنظام الذي كان جزءًا منه.

الشباب اليوم بحاجة إلى نماذج تبث الثقة، لا إلى نماذج تعزز فكرة الهروب. بحاجة إلى قيادات تثبت أن الإصلاح ممكن من الداخل، لا أن تعترف ضمنيًا بأن الخارج هو الحل. فالمستقبل لا يُبنى بالرحيل، بل بالقدرة على مواجهة التحديات وصناعة فرص جديدة داخل الوطن.

إن السؤال الذي يجب أن يطرح نفسه بجدية: إذا كان عبد اللطيف ميراوي، وزير التعليم العالي السابق، يهاجر ويُفضل التدريس في الخارج، فما الذي يمنع الطالب من أن يفعل المثل؟ وإذا كانت الدولة لا تستطيع أن تُقنع من كانوا في قلب القرار، فكيف ستقنع الأجيال القادمة بأن مستقبلها هنا وليس هناك؟

0 تعليقات الزوار

الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي الموقع

اترك تعليقاً