ظهور شبكة دولية لتزوير فواتير الاستيراد وتهريب ملايين الدراهم إلى الخارج

حجم الخط:

هبة بريس – عبد اللطيف بركة

في أحد المكاتب الهادئة بمقر إدارة الجمارك بالعاصمة الرباط، كانت شاشات النظام الرقمي “بدر” تعرض إشارات إنذار متتالية. خوارزميات الذكاء الاصطناعي رصدت معاملات غير مألوفة في ملفات استيراد تخص شركات مغربية وأجنبية، وهو ما فتح الباب أمام واحدة من أوسع التحقيقات الجمركية في السنوات الأخيرة.

– إنذار رقمي يكشف أول الخيوط

يقول مسؤول جمركي فضل عدم الكشف عن هويته: “بدأ كل شيء من أرقام صغيرة، معاملات لا تتوافق مع متوسط الأسعار العالمية. لكن حين توسعنا في التحليل، أدركنا أننا أمام شبكة منظمة تتلاعب بالفواتير والضمانات البنكية.”

منذ ذلك الاكتشاف الأولي، تم فتح عشرات الملفات ومراجعة مئات الوثائق المرتبطة بعمليات استيراد نفذت خلال الثلاث سنوات الأخيرة. وكانت المفاجأة أن جزءًا من هذه الوثائق مزوّر بعناية فائقة، من فواتير وهمية إلى شهادات تحويل بنكية غير مطابقة للواقع.

– تعاون بين مؤسسات مالية ورقابية

بحسب مصادر من داخل التحقيق، تم تفعيل تنسيق غير مسبوق بين إدارة الجمارك، ومكتب الصرف، والمديرية العامة للضرائب، وبنك المغرب. الهدف: تتبّع كل عملية تحويل نحو الخارج والتأكد من قانونيتها.
“نحن لا نتحدث عن حالة فردية، بل عن سلسلة عمليات مرتبطة بموردين من الخارج، خاصة من الصين”، يقول مصدر من مكتب الصرف، مضيفًا أن التعاون مع السلطات الجمركية الصينية مكّن من اكتشاف فواتير تم تضخيم قيمتها بشكل لافت.

– ملايين الدراهم غادرت البلاد بوثائق مزيفة

تشير نتائج التحقيق إلى أن الشركات المشتبه بها نجحت في تحويل أكثر من 330 مليون درهم من العملة الصعبة إلى الخارج منذ عام 2022 إلى حدود السنة الجارية 2025، بينما القيمة الحقيقية للسلع لا تتجاوز 120 مليون درهم.
الفرق، أي نحو 210 ملايين درهم، يمثل مبالغ تم تهريبها عبر تضخيم أسعار البضائع وإصدار ضمانات بنكية وشهادات مالية مزيفة.

أحد الخبراء في الشأن المالي يعلق قائلاً: “هذا النوع من التلاعب يضرّ الاقتصاد الوطني بشكل مباشر. فالأموال المهربة يمكن أن تُستخدم في أنشطة مريبة، كما تحرم السوق المحلية من استثمارات حقيقية.”

– الذكاء الاصطناعي على خط المواجهة

اللافت في هذه القضية هو اعتماد الجمارك على تقنيات الذكاء الاصطناعي في تحليل البيانات.
توضح مهندسة بيانات تشتغل داخل النظام: “البرنامج يقارن تلقائيًا بين أسعار السوق العالمية والقيم المصرح بها في فواتير الاستيراد. حين تكون الفوارق كبيرة، يتم تنبيه المراقبين لفتح تحقيق.”

هذه المقاربة الجديدة مكّنت من كشف عشرات الحالات المشابهة خلال الأشهر الأخيرة، خصوصًا في الواردات القادمة من الصين وتركيا، وهما من أبرز مصادر البضائع منخفضة السعر التي يسهل التلاعب بقيمتها المعلنة.

– حسابات خارجية تحت المراقبة

تواصل الفرق المختصة تعقب الحسابات البنكية التي حُولت إليها الأموال في الخارج.
ويقول مصدر مقرب من التحقيق إن بعض المبالغ تم توزيعها على حسابات متعددة في دول مختلفة، في محاولة لإخفاء مسارها الحقيقي. “هناك شبهات قوية بأن بعض هذه الحسابات تابعة لشركات واجهة تستخدم في تبييض الأموال”، يضيف المصدر.

– تشديد المراقبة وحماية الاقتصاد الوطني

القضية، بحسب مصادر مطلعة، دفعت إدارة الجمارك إلى مراجعة آليات الرقابة على الوثائق البنكية، وتوسيع قاعدة بياناتها المشتركة مع المؤسسات المالية. كما يجري التفكير في فرض إجراءات أكثر صرامة على المستوردين، من بينها التحقق المباشر من فواتير الموردين بالخارج قبل الموافقة على التحويلات المالية.

ويؤكد أحد المسؤولين أن هذه العملية “ليست مجرد حملة ظرفية، بل بداية لمرحلة جديدة في محاربة التلاعب في التجارة الخارجية”.

0 تعليقات الزوار

الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي الموقع

اترك تعليقاً