هبة بريس
يبدو أن الجامعات الجزائرية أصبحت عنوانًا للبطالة والركود العلمي بدل أن تكون فضاءً للإبداع والمعرفة، وفي هذا السياق أثار مرسوم جديد لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي جدلاً واسعًا في الأوساط الأكاديمية والاجتماعية، بعد أن نصّ على إقصاء الطالب من أي مادة دراسية عند غيابه خمس مرات، سواء كان الغياب مبررًا أو غير مبرر.
التعليم العالي الجزائري في أزمة
المرسوم الوزاري الذي جاء في لحظةٍ يعيش فيها التعليم العالي الجزائري أزمة عميقة، اعتبره العديد من الباحثين إجراءً عبثيًا وتافهًا، يعكس انفصال الوزارة عن الواقع الحقيقي للجامعة التي تعاني من بؤس علمي وتدني في مستوى التكوين، وانفصامٍ بين ما يُدرَّس وما يطلبه سوق الشغل.
ويرى خبراء تربويون أن الوزارة كان الأحرى بها أن تعالج أسباب الغياب المتكررة من داخل الكليات والأقسام عبر سياسات بيداغوجية فعالة، لا أن تُصدر مرسومًا فوقيًا يضخم مشكلة بسيطة لإعطاء انطباع بوجود “إصلاحات”، في حين أن الواقع ينذر بانهيار منظومة التعليم الجامعي.
ووفق أبحاث أكاديمية جزائرية، أصبحت الجامعات خارج دائرة التنافس العلمي إقليميًا، ولم تعد تُنتج النخب أو تسهم في تطوير الاقتصاد الوطني، رغم الأعداد الكبيرة من الخريجين الذين ينتهي بهم المطاف إلى البطالة أو الهجرة.
المرسوم الجديد، الذي يُلزم الطلبة بالحضور ويمنح الفرق البيداغوجية سلطة فرض الانضباط، وُصف من طرف مراقبين بأنه إجراء شكلي لا علاقة له بالإصلاح الحقيقي، لأنه يفتقر إلى رؤية استراتيجية شاملة تعالج الاختلالات البنيوية في المناهج، والتسيير، والتوجيه الأكاديمي.
إصلاحات وهمية بالجزائر
وتواجه الجامعات الجزائرية اليوم فجوة عميقة بين التعليم النظري والواقع العملي، حيث يعيش الطلبة داخل نظام بيروقراطي جامد لا يواكب التحولات الاقتصادية، ولا يقدم أي أفق واضح للتشغيل أو الابتكار.
ويرى متابعون أن ما تروج له وزارة التعليم العالي ليس سوى “إصلاحات وهمية” هدفها تمويه الرأي العام وإظهار النظام العسكري القائم بالبلاد بمظهر الساعي للإصلاح، في حين أن الواقع الميداني يكشف فشلًا مزمنًا في النهوض بالتعليم الجامعي.
وقد أدت رداءة التكوين واضطراب المسالك الجامعية إلى تحويل مؤسسات التعليم إلى مفرخة للبطالة والتهميش، فيما يجد الكثير من الطلبة أنفسهم مجبرين على الهجرة أو الاستسلام للواقع البائس الذي صنعته السياسات العشوائية.
وفي ظل هذه الصورة القاتمة، يبدو أن المرسوم الوزاري الأخير ليس سوى محاولة للهروب من الإصلاح الحقيقي الذي يحتاجه القطاع، إذ تغيب الرؤية، ويتراجع مستوى البحث العلمي، وتتفاقم البيروقراطية التي تخنق الكفاءات وتجهض طموحات الشباب، لتظل الجامعات الجزائرية غارقة في دوامة الفشل والعجز عن إنتاج المعرفة والتنمية.
0 تعليقات الزوار