هبة بريس
تجدد الجدل بين باريس والجزائر عقب تصريحات قوية أدلى بها وزير النقل الفرنسي فيليب تابارو، أكد فيها رفضه القاطع لأي فكرة تتعلق باعتذار فرنسا عن حقبتها الاستعمارية، مشددا على أن “فرنسا لا تعتذر لا عن الماضي ولا عن الحاضر”.
التعامل مع الجزائر بوضوح وحزم
وجاءت تصريحات تابارو، العضو في حزب “الجمهوريين” وأحد أعضاء حكومة سيباستيان لوكورنو الثانية، خلال مقابلة مع قناة CNews الفرنسية يوم الجمعة الماضي، حيث دعا إلى التعامل مع الجزائر بـ”وضوح وحزم”، معتبرا أن المرحلة الحالية تتطلب إنهاء سياسة المجاملات التي اعتادت عليها باريس تجاه النظام الجزائري.
وقد أثارت هذه التصريحات نقاشا واسعا داخل فرنسا، إذ رأى مراقبون أنها تعكس توجها سياسيا متناميا يدعو إلى طي صفحة الماضي الاستعماري دون تقديم اعتذارات رمزية، فيما اعتبر آخرون أن الوزير عبّر بصراحة عمّا تتجنبه النخب السياسية منذ سنوات خوفا من ردود الفعل الجزائرية.
الجدل تصاعد أكثر بعد الكشف عن أن فيليب تابارو هو نجل روبرت تابارو، أحد أعضاء منظمة الجيش السري (OAS) التي واجهت جبهة التحرير خلال حرب الجزائر، وهو ما دفع بعض النواب اليساريين إلى مهاجمته على خلفية عائلية لا علاقة لها بالسياسة الراهنة.
وردّ الوزير ضمنيا على هذه الانتقادات بالقول إن “السياسة تُبنى على الحاضر لا على الأنساب”، في إشارة واضحة إلى أن الجزائر ما تزال عالقة في خطاب الماضي.
صرف الإعلام الجزائري الأنظار عن أزمات البلاد الداخلية
وفي المقابل، عمّت حالة من الغضب وسائل الإعلام الجزائرية التي سارعت، كعادتها، إلى استغلال الملف الاستعماري في محاولة لصرف الأنظار عن أزماتها الداخلية، دون أن يصدر أي تعليق رسمي من الحكومة الجزائرية حتى الآن.
ويأتي هذا الجدل في وقت تمر فيه العلاقات بين باريس والجزائر بمرحلة جمود منذ صيف 2024، حين اعترفت فرنسا بسيادة المغرب الكاملة على الصحراء ودعمت مقترح الحكم الذاتي الذي تقدمت به الرباط، وهو القرار الذي اعتبرته الجزائر “طعنة في الظهر”، رغم أنه انسجم مع مواقف القوى الغربية الكبرى.
وتفاقمت التوترات لاحقًا بعد تجميد التعاون الأمني وتعليق اتفاقيات قنصلية، فضلاً عن الخلاف بشأن ترحيل المهاجرين غير النظاميين، بينما عادت إلى الواجهة دعوات سياسية في فرنسا لمراجعة اتفاق 1968 الخاص بإقامة الجزائريين، بدعوى أنه يمنح امتيازات غير مبررة مقارنة بباقي الجاليات.
وفي الوقت الذي تحاول فيه باريس إعادة بناء علاقات عقلانية تقوم على المصالح المتبادلة، تواصل الجزائر التمسك بخطاب الضحية التاريخية وتوظيف الماضي الاستعماري كورقة ابتزاز سياسي، ما يجعل أي مصالحة حقيقية رهينة بتخلي النظام الجزائري عن سرديته المتقادمة.

0 تعليقات الزوار