هبة بريس
هزت فضيحة جديدة أركان النظام الجزائري، بعدما أصدرت محكمة القطب الجزائي الاقتصادي والمالي بسيدي أمحمد أحكاماً ثقيلة في واحدة من أكبر قضايا الفساد التي تعكس طبيعة التسيير العبثي داخل مؤسسات الدولة، وهذه المرة في الوكالة الوطنية للاتصال والنشر والإشهار “أناب”، التي ظلت لسنوات أداةً دعائية في يد النظام العسكري لتلميع صورته وتمويل جرائده الموالية.
نهب المال العام تحت حماية النظام العسكري
وذكرت وسائل إعلام جزائرية، أن المحكمة أدانت يوم أمس الثلاثاء وزير الاتصال الأسبق جمال كعوان والمدير العام الأسبق للوكالة أمين شيكر بـ8 سنوات سجناً نافذاً وغرامة مليون دينار لكل منهما، في حين نال الوزير الأسبق حميد قرين 4 سنوات سجناً نافذاً وغرامة مالية قدرها 200 ألف دينار، إضافة إلى إدانات أخرى طالت مسؤولين فرعيين تورطوا في تبديد أموال الإعلانات العمومية.
هذه الأحكام تأتي لتضاف إلى سلسلة من القضايا التي تورط فيها وزراء ومسؤولون كبار في عهد بوتفليقة، والذين نهبوا المال العام تحت حماية النظام العسكري، قبل أن يتحولوا اليوم إلى أكباش فداء في محاكمات شكلية لتهدئة الرأي العام.
القضية، التي عُرفت إعلامياً بـ“أناب 2”، كشفت تلاعباً ممنهجاً في عقود الإشهار العمومي، حيث تم توجيهها نحو صحف وهمية أو موالية للنظام، بينما تم استبعاد وسائل الإعلام المستقلة التي تجرأت على انتقاد السلطة.
التحقيقات التي قادتها مصالح النظام نفسها كشفت عن إدارة “كارثية” للوكالة بين عامي 2008 و2018، تخللتها محاباة سياسية وتبديد للأموال العامة وتوزيع الامتيازات على المقربين من العسكر، وسط غياب تام لأي آليات رقابة حقيقية.
تمويل الدعاية السياسية للنظام العسكري
وتشير تقارير سابقة إلى أن الوكالة تحولت إلى ما يشبه “صندوقاً أسود” لتمويل الدعاية السياسية للنظام العسكري وتوجيه الصحف المحلية، حيث تم توزيع ما يفوق 800 مليون دولار من أموال الإعلانات بشكل غير شفاف، استفاد منها مسؤولون نافذون في السياسة والجيش والرياضة.
ولم يتردد المدير العام الأسبق للوكالة، العربي ونوغي، في وصفها بـ“وكر الفساد والخضوع لسلطة الهاتف”، في إشارة إلى التعليمات الفوقية التي كانت تتحكم في توزيع الإعلانات، ما جعل 75% من النشاط الإشهاري في البلاد تحت سيطرة مؤسسة واحدة تُدار بمنطق الولاء لا الكفاءة.
ويرى مراقبون أن هذه الفضيحة الجديدة ليست سوى حلقة أخرى من مسلسل النهب الممنهج، وأن النظام الجزائري يحاول عبرها تلميع صورته من خلال إدانة بعض الوجوه القديمة، بينما يواصل نفس أساليبه في قمع الإعلام الحر وتوزيع الإشهار على أساس سياسي وانتقامي، لا على أساس مهنية أو نسب قراءة.

0 تعليقات الزوار