احتجاجات جيل Z : مخاض من أجل المستقبل!

حجم الخط:

بقلم أجدور عبد اللطيف

لم تكن تتخيّل حكومة سريلانكا؛ وبعدها حكومة نيبال أن قرارا بسيطا -في ظاهره، منتهكا للحرية في جوهره- مثل حظر جزئي لبعض منصات التواصل الاجتماعي في البلاد يمكن أن ينتهي بالإطاحة بها. القرار الذي جاء بعد حملة واسعة على مواقع التواصل، تتداول صور السياسيين وعائلاتهم وما هم فيه من تَرف، مقابل ظروف عيش الفئات الهشة وما هم فيه من قَرف.

أصبح القرار لاحقا الشرارة التي نقلت الآلاف من جيل Z من المواقع إلى الواقع، لا للمطالبة برفع الحظر عن تيكتوك وإنستغرام وحسب، بل لرفع الحظر عن حقوق أساسية لوجود كل إنسان.

صارت تلك المرة الأولى التي تنجح فيها ثورة رقمية يقودها جيل مرقمن معولم غض، أغلبه قاصرون. ولأن ميزة العالم الرقمي البارزة سرعة انتقال المعطيات وانتشارها، انتقلت حمى جيل Z إلى بلدان أخرى، بما فيها المغرب، مستغلة سياقات احتجاجات أكادير وبني ملال وبني عروس وآيت بوكماز، التي عكست الغضب الشعبي من غياب الكوادر والتجهيزات بالمستشفيات، وغياب الجودة بالمدراس، ومعاناة قرى ومناطق من العزلة، بسبب غياب الربط الطرقي بالمغرب غير النّافع، في الوقت التي تفجرت فيه ملفات فساد ثقيلة بالمغرب المُنتفِع.

إن طبيعة هذه الاحتجاجات وتنظيمها يختلف بشكل جذري عن كل الحركات التي سبقتها، من حيث الفئة التي تقودها وخصوصياتها العمرية والاجتماعية والفكرية؛ فجيل Z الذي شبّ في كنف التقنية والعالم الافتراضي، رضع منه طريقة تفكيره، ونمط لباسه، ولغتَه اليومية، وتفضيلاته الفنية والايديولوجية، في ارتباط تام بما يتصدر العالم.

ولأن العالم الافتراضي عالم متسارع يشهد تدفقا هائلا للمعطيات والأحداث، تطبّع جيل Z بطباع المزاجية والتسرع والسأم ونفاذ الصبر. وهذا ما يعلّل لجوءه إلى المخدرات أو الانتحار أو العنف الرمزي والمادي عند كل مطب.

ولنا في مآسي شغب كرة القدم دروس ورسائل متعددة، لم نفكّك شيفرتها بشكل صحيح في الوقت الصحيح.

إن جيل Z، جيل مُطّلع ومتطلّع، منفتح على ثقافات العالم، ضليع في الذكاء الاصطناعي والمونتاج والتجارة الرقمية، وذلك راجع لتمكنه من عدة لغات، ومن أسس البرمجيات؛ وتبعا لهذه الاعتبارات والخصوصيات، ينبغي اليوم على الدولة والمجتمع والتنظيمات السياسية والمدرسة والإعلام، إعادة النظر في تصوراتها النمطية لهذه الفئة، والتعامل معها بمقاربة أكثر شمولية. بعيدا عن الاكتفاء بانتقاد  قصات الشعر، والسراويل واللغة الهابطتين؛ ففي النهاية يشكل هؤلاء قوة اجتماعية واقتصادية وسياسية بالغة التأثير، سيصبح تأثيرها بلا شك، خلال السنوات القليلة المقبلة، حاسما.

كما ينبغي الإنصات إليها بتأن، بعيدا عن المقاربة الأمنية التقليدية، فهذا جيل يمكن أن تصبح معه تدوينة أو هاشتاج سيلا عاصفا يأتي على كل شيء. والعنف والعنف المضاد، لا يمكن إلا أن يكونا مرفوضين، وغير معبّرين عن المستوى الحضاري الذي قطعنا أشواطا لبلوغه.

إن الثورات الرقمية تنذر بمستقبل أقل استقرار بباقي دول العالم، لارتباط الأجيال الحالية والمستقبلية الوثيق بالنت، وكذا لطباع هذه الأجيال الميالة إلى السأم والتسرع أحيانا.

يبدو أن أفول الوازع الديني الذي ظل لسنوات صماما لفئات عريضة من الشباب، والمخاض الذي يعتصر المدرسة العمومية والهدر المدرسي المُتفاقم، أدى إلى انتكاسات موجعة في منظومة القيم، وإلى تغليب غريزة العنف والبلطجة. ولا شك أن مشاهد العنف والفوضى والتخريب الأخيرة، ستظل لوقت طويل جاثمة على صدرونا، مسائلة أدوارنا جميعا.

لخص الروائي الفرنسي فكتور هوغو القصة، إذ يقول: من يفتح باب مدرسة يغلق باب سجن؛ واختصر الوقت والجهد على حكومات تؤمن بأن الوعي والتعليم الجيد، هو الضمانة الوحيدة وصمام الأمان الأوحد، ضد الأزمات بمختلف أصنافها، في عالم مجنون مفتوح على كل الاحتمالات.

صدق من قال: اذا كنت تظن أن تكلفة التعليم باهظة، فلتجرب الجهل؛ والرجاء كبير في عقلاء هذا الوطن لاستخلاص الدروس، حتى لا تسريَ علينا مقولة فريدريك هيغل: يعلمنا التاريخ أننا لا نتعلم من التاريخ.

 

 

0 تعليقات الزوار

الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي الموقع

اترك تعليقاً