هبة بريس-يوسف أقضاض
بدأ المغرب يجني ثمار مشروعه الاستراتيجي “أكاديمية محمد السادس لكرة القدم”، بعد أن برز خريجوها بقوة في صفوف مختلف المنتخبات الوطنية، بدءاً من المنتخب الأول الذي صنع التاريخ في مونديال قطر 2022 ببلوغه نصف النهائي، كأول منتخب عربي وإفريقي يحقق هدا الإنجاز العظيم، ثم المنتخب الأولمبي الذي خطف الأضواء في أولمبياد باريس، مروراً بمنتخب أقل من 17 سنة المتوج بكأس إفريقيا، وصولاً إلى منتخب أقل من 20 سنة الذي يواصل التألق في مونديال الشيلي، مما يؤكد أن الأكاديمية تحولت إلى مصنع حقيقي للنجوم وركيزة أساسية لنهضة الكرة المغربية.
وإذا كان المنتخب الأول قد فتح الباب أمام الاعتراف الدولي بجودة التكوين المغربي، فإن منتخب أقل من 20 سنة جاء ليؤكد أن هذا النجاح لم يكن صدفة، بل نتيجة مشروع طويل المدى.
ولعل من أبرز مؤشرات نجاح أكاديمية محمد السادس أيضاً هو العدد المتزايد من المواهب التي احترفت في أوروبا، انطلاقاً من التكوين الأكاديمي المتدرج من الفئات الصغرى وصولاً إلى الكبار.
فقد تمكن اللاعبون المغاربة من إثبات جدارتهم في أندية كبرى عبر القارات، ما جعل الأكاديمية اليوم تُنظر إليها كنموذج عالمي فريد يحتذى به في التكوين الاحترافي للاعبين، حيث تجمع بين الانضباط، التعليم، والاحترافية، وتمنح كل لاعب الأدوات اللازمة للنجاح على أعلى المستويات، سواء داخل الوطن أو خارجه.
هذه التجربة جعلت الأكاديمية مرجعاً عالمياً يُدرس ويُستشهد به كأفضل مثال على كيفية تحويل مشروع وطني إلى مصنع عالمي للنجوم.
ويبرهن بلوغ شباب المغرب نصف نهائي كأس العالم في التشيلي استمرارية الأداء واستقرار المنظومة، ويثبت أن المغرب بات يمتلك قاعدة صلبة من المواهب المؤهلة للعب تحت ضغط المنافسات الكبرى.
ويظهر تألق المنتخب المغربي لأقل من 20 سنة أن قوة هذا الجيل لا تعتمد فقط على المهارة الفردية، بل على تناغم تكتيكي نادر في الفئات السنية، وهو ما يكشف عن عمل منهجي قائم على التدرج في التكوين داخل الأكاديمية.
وقد أبان اللاعبون قدرة على مجاراة مدارس عالمية كبرى، مثل المدرسة الإسبانية القائمة على الإستحواد على الكرة، والبرازيلية المعتمدة على الإبداع، والكورية والولايات المتحدة التي تتميز بالسرعة والضغط العالي.
وتؤكد الأرقام أن خريجي الأكاديمية يشكلون العمود الفقري للمنتخب، حيث يبرز دورهم في صناعة الفارق خلال المباريات الحاسمة، في دليل على أن التكوين داخل الأكاديمية لا يركز فقط على الجانب التقني، بل يهيئ اللاعبين ذهنياً للتعامل مع الضغط واتخاذ القرار. كما أن التجارب السابقة لعدد من خريجي الأكاديمية في أوروبا زادت من نضجهم ورفعت من قيمة المنتخب ككل.
أما على المستوى الذهني، فقد نجح “أشبال الأطلس” في التخلص من العقدة التاريخية المرتبطة بعدم القدرة على مجاراة المنتخبات الكبرى، وأظهروا شخصية قوية داخل الملعب.
وهذا التحول الذهني يعد من أهم مكاسب المشروع الرياضي المغربي، لأنه يؤسس لثقافة تنافسية جديدة شعارها: المغرب لا يشارك فقط… بل ينافس على الألقاب.
ولعل المهاجم ياسر الزبيري يمثل حالة نموذجية لهذا الجيل، بعد أن فرض نفسه كنجم البطولة بتسجيله أربعة أهداف، ونجح في ترجمة فلسفة الأكاديمية التي تراهن على اللاعب القادر على صناعة الفارق. لكن الأهم من ذلك، أن أداء الزبيري وزملائه أعاد رسم صورة المغرب لدى المتابعين العالميين كقوة صاعدة في كرة القدم على مستوى التكوين.
ويمكن القول إن المشروع الملكي بقيادة الملك محمد السادس، لم يكن مجرد استثمار في البنى التحتية الرياضية، بل رؤية ملكية متبصرة بعيدة المدى أعادت رسم مستقبل كرة القدم الوطنية على أسس علمية واحترافية. فقد جمع هذا المشروع بين التكوين الأكاديمي، والدعم المؤسساتي، والانفتاح الدولي، مما جعل المغرب نموذجاً عالمياً في صناعة الأجيال الرياضية وصياغة استراتيجية تنموية ناجحة.
واليوم، تؤتي هذه الرؤية الملكية ثمارها من خلال منتخبات تنافس على أعلى المستويات، ولاعبين يصنعون الفارق في كبريات المحافل، وهو ما يؤكد أن المغرب يسير بقيادة ملكه نحو صناعة مجد كروي مستدام، يضع المملكة في طليعة الأمم الرياضية مستقبلاً.
وفي هدا السياق، فقد نجحت الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم في إقناع عدد كبير من المواهب المتألقة في أوروبا بالانضمام إلى المشروع الرياضي المغربي الكبير، بفضل رؤية واضحة تقوم على بناء منتخبات وطنية قوية تجمع بين خريجي أكاديمية محمد السادس والمواهب ذات التكوين الأوروبي.
هذا الدمج الذكي خلق تنوعاً فنياً وتكتيكياً غير مسبوق داخل المنتخبات، حيث يجمع اللاعبون بين الانضباط الأكاديمي والاحتراف الأوروبي، مما منح المغرب قوة تنافسية عالية على المستوى القاري والعالمي. والأهم من ذلك، أن جميع هؤلاء اللاعبين، سواء خريجو الأكاديمية أو أبناء المهجر، أظهروا روحاً وطنية كبيرة وتفانياً مبهراً في الدفاع عن القميص الوطني، ليؤكدوا أن مشروع المغرب الرياضي لم يعد مجرد فكرة، بل هو هوية مشتركة تولّد جيلاً يؤمن بأن “خدمة المنتخب شرف قبل أن تكون مشاركة”.
ختاما، إن تألق المنتخبات الوطنية ومنها منتخب أقل من 20 سنة في مونديال الشيلي ليس مجرد إنجاز رياضي، بل دليل على فعالية النموذج المغربي في التكوين، ورسالة بأن استثمار الدولة في الأكاديمية تحول إلى رافعة حقيقية للرياضة الوطنية. ومع استمرار هذه الدينامية، يبدو أن المغرب يسير بثبات نحو ترسيخ موقعه كواحد من أفضل النماذج الكروية في العالم من حيث صناعة الأجيال وبناء الاستدامة التنافسية.
0 تعليقات الزوار