هبة بريس ـ ياسين الضميري
يبدو أن “الجارة الشرقية” تعيش هذه الأيام حالة نادرة من الارتباك الدبلوماسي، أشبه برقصة ديك ذُبح قبل لحظات، ما زال يرفرف ظنا منه أن الحياة ما زالت فيه.
الفرق الوحيد أن الديك لا يدرك أنه انتهى، أما النظام الجزائري فيدرك جيدا أنه وصل إلى نهاية المسرحية، لكنه يصر على التصفيق لنفسه بعد سقوط الستار.
اكتشف النظام العسكري الذي يعود لمخلفات العشرية السوداء، فجأة أن العالم لم يعد ينتظره ليقرر مصير الصحراء، واشنطن تتحدث، والعواصم الكبرى تكتب، والمغرب يبتسم بثقة من يعرف أن اللعبة انتهت منذ زمن.
منذ عقود، بنى النظام الجزائري سرديته على “قضية” ليست قضيته، وجعل من الوهم أساسا للسياسة الخارجية، أنفق المليارات من أموال شعب الجزائر على بيانات، وندوات، ومؤتمرات، وشعارات “حق تقرير المصير” التي لم تقنع حتى كاتبها، بينما كان المغرب يراكم اعترافات العالم خطوة بخطوة، بثقة وهدوء ودبلوماسية ملكية هادئة لا تصدر ضجيجا لكنها تنجز.
النتيجة اليوم، العالم كله تقريبا يقول الصحراء مغربية، و النظام الجزائري، الذي صدع رؤوسنا بأن “الجزائر لا تحني رأسها”، صار يبحث في القواميس عن تعريف جديد لكلمة “الكرامة” بعدما أُجبر على النظر في المرآة، و المرآة كما نعلم لا تجامل أحدا.
وزير الخارجية عطاف يحمل هاتفه مثل طالب لجوء دبلوماسي، يتصل هنا و يستعطف هناك، يتحدث بعبارات “الأشقاء” و”العلاقات التاريخية”، عله يجد من يسمعه، لكن الخطوط مشغولة، فالدول الكبرى مشغولة بتوقيع وثائق الاعتراف، لا بتصحيح خرافات العسكر.
محاولة عطاف الأخيرة كانت مع روسيا التي كشفت زيف نطام العسكر، العسكر روج أن روسيا من اتصلت لتخرج خارجية الأخيرة و تؤكد العكس، عطاف يبحث بمحاولاته الفاشلة احتواء صدمة القرار الأمريكي المرتقب، الذي سيكون بمثابة الختم النهائي على مغربية الصحراء.
أما الإعلام الرسمي الجزائري، فبدأ حملة “التهدئة المسبقة” عبر عناوين من نوع “لا جديد في الموقف الدولي” أو “الجزائر متمسكة بمبادئها”، وهي العناوين نفسها التي تستعمل في كل مرة يهزم فيها الخطاب الرسمي الجزائري أمام الواقع.
الإعلام الجزائري ككل، دخل فعليا مرحلة “العزاء”، نشرات الأخبار صارت تشبه مجالس العزاء السياسية، يبتسم المذيع ابتسامة صفراء، ثم يقول بصوت متعب:“الجزائر متمسكة بمبادئها”، و كأن التمسك بالوهم صار مبدأ مقدسا في الدستور الجزائري.
والأطرف من ذلك أن الرئيس تبون، الذي طالما قال إن “الجزائر لا تحني رأسها”، يبدو اليوم في طريقه إلى أن يطأطئ الرأس، فقط ليقرأ القرار الأمريكي جيدا قبل أن يوقع على البلاغ الرسمي الذي سيحمل الجملة التاريخية: “نحن نحترم الشرعية الدولية بخصوص قضية الصحراء المغربية”.
آه، نعم، “الصحراء المغربية”، الكلمة التي كانوا يخافون حتى من نطقها، صارت تقترب من شفاههم كما تقترب الحقيقة من باب قصر المرادية، و السكوت أحيانا أبلغ من الاعتراف، وصمت النظام الجزائري الآن يصرخ أكثر من ألف بيان.
مع الأسف الجزائر كان يمكن أن تكون شريكا حقيقيا للمغرب، في تنمية مشتركة تصنع من المغرب الكبير قوة إقليمية يحسب لها ألف حساب، لكن النظام العسكري اختار طريق العناد، فخسر السياسة، وخسر الاقتصاد، وخسر احترام الرأي العام العربي والدولي.
الملك محمد السادس مد اليد أكثر من مرة، بخطاب الحكمة والرؤية المستقبلية، لا من موقع ضعف، بل من موقع القوة التي تعرف أن الصلح يصنع المستقبل، لكن اليد الممدودة قوبلت بالصمت أو التصعيد الشفوي.
واليوم، بعد أن طوى العالم الملف بختمه بعبارة “الصحراء مغربية”، لم يبق سوى أن يطأطئ النظام الجزائري رأسه أمام الحقيقة و يركع قبولا بها، ولو تظاهر بالعكس.
يا سادة، القصة باختصار أن المغرب اشتغل في صمت، بنى، فاوض، أقنع، و راكم ثقة العالم، أما النظام الجزائري فاختار أن يصرخ في الصحراء، حتى صارت الصحراء نفسها تمل من سماع صراخه، و بين من بنى ومن شتم، فاز من بنى، وخسر من شتم.
العالم تغير، والمغرب تقدم، والنظام الجزائري ما زال يعيش في أرشيف خطب السبعينيات، لكن لا بأس، فحتى “الذيك المذبوح” يتحرك و يترنح قليلا قبل أن يسكن، والمرادية هذه الأيام تتحرك كثيرا، باتصالات الاستعطاف لعلها تنقذ و لو قليلا من ماء وجهها الذي افتضح أمره بين كبريات دول العالم…

0 تعليقات الزوار