هبة بريس – شفيق عنوري
أكد تقرير اقتصادي إسباني حديث، أن رفع المغرب لميزانيته الدفاعية يتماشى مع نموه الاقتصادي القوي، ويتيح له تحديث قواته المسلحة وتعزيز مكانته كقوة إقليمية في شمال إفريقيا، في ظل التوتر المستمر مع جارته الشرقية الجزائر والنزاع القائم حول أقاليمه الجنوبية.
وأوضح التقرير الذي نشرته صحيفة “Eleconomista” الإسبانية، أن المغرب يخطط لزيادة إنفاقه العسكري بنسبة تصل إلى 18 بالمائة خلال العام المقبل، بما يعادل 157 مليار درهم، أي نحو 17.1 مليار دولار، وهو ما يمثل نسبة تقارب 4.2 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي، أي ضعف ما تنفقه إسبانيا نسبيًا.
واعتبر التقرير أن هذا الإنفاق ممكن بفضل النمو الاقتصادي القوي الذي يشهده المغرب، والذي يتيح تغطية ميزانية الدفاع دون التأثير على الاستقرار المالي العام، موضحاً أن المغرب يستفيد من موقعه الجغرافي المتميز كحلقة وصل مع أوروبا، وانخفاض تكاليف الإنتاج، بالإضافة إلى بنيته التحتية المتطورة.
وأضاف التقرير أن هذه العوامل تجعل المغرب وجهة جذابة للاستثمارات الأجنبية، خاصة في صناعة السيارات الكهربائية وبطاريات المركبات، متابعاً أن إنتاجية السيارات في المملكة ارتفعت من 40 ألف وحدة في 2010 إلى 560 ألف وحدة في 2024، لتحتل المرتبة 25 عالميًا في إنتاج السيارات، متجاوزة دولًا أوروبية مثل بولندا والمجر.
وأشار التقرير إلى أن القطاع السياحي في المغرب يشكل أيضًا ركيزة أساسية للنمو الاقتصادي، حيث سجلت المملكة أكثر من 17.4 مليون زائر في 2024، متجاوزة توقعاتها لعام 2026، وهو ما وضعها في صدارة وجهات شمال إفريقيا مقارنة بمصر.
كما ساهمت هذه النجاحات، يوضح التقرير الإسباني، في استعادة المغرب لتقييم ائتماني جيد من وكالة “Standard & Poor’s” الأمريكية، حيث أعادت له تصنيف “BBB-” مع نظرة مستقبلية مستقرة، بعد أربع سنوات من التقييمات المترددة.
وفيما يخص الميزانية الدفاعية، أشار التقرير إلى أن المغرب قام خلال العقد الماضي بخطوات واسعة لتعزيز قدراته العسكرية، بما في ذلك تحديث المعدات وزيادة إنتاجية الصناعات العسكرية المحلية، إلى جانب تنويع موردي الأسلحة من خلال توقيع اتفاقيات مع دول مثل الصين والهند وتركيا والبرازيل وباكستان.
واسترسل التقرير الإسباني أن الإنفاق العسكري المتزايد يواكب استراتيجية المغرب لتقليل العجز الجاري وتحقيق قدر أكبر من الاكتفاء الذاتي في مجال الدفاع، رغم أن المملكة لا تزال بعيدة عن تصنيع أسلحة متقدمة بنفس مستوى الدول الكبرى.
هذا، وركز التقرير على الصراع الإقليمي القائم بين المغرب والجزائر، مشيرًا إلى أن القضية الرئيسية هي الصحراء المغربية، التي تحاول الجزائر فصلها عن المملكة، عبر دعم جبهة “البوليساريو”، موضحاً أن هذا الخلاف التاريخي والجغرافي يتداخل مع التنافس على القيادة الإقليمية، حيث يسعى المغرب إلى تعزيز علاقاته مع القوى الغربية مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وتطبيع العلاقات مع إسرائيل، في حين تميل الجزائر إلى التحالف مع روسيا، التي شهدت علاقاتها معها تدهورا كبيرا في السنوات الأخيرة بسبب نزاع الساحل.
وأكد التقرير أن المغرب يستفيد من النمو الاقتصادي القوي لتوسيع الإنفاق العام دون التسبب في ضغوط مالية كبيرة، مع توقع استمرار نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة تتراوح بين 4.2 و4.4 بالمائة خلال السنوات المقبلة حتى 2030، مشيراً إلى أن المغرب استثمر بشكل واسع في تطوير الموانئ الكبرى مثل طنجة المتوسط وناظور غرب المتوسط، إضافة إلى بناء أكبر حوض لسفن في إفريقيا بمدينة الدار البيضاء، وهو ما يعكس حرص المملكة على تعزيز قدراتها اللوجستية والبنية التحتية لمواكبة النمو الاقتصادي والدفاعي.
وفي ختام التقرير، ربطت صحيفة “Eleconomista” بين النجاح الاقتصادي للمغرب وزيادة الإنفاق الدفاعي، معتبرة أن المملكة تحقق توازنًا بين تطوير اقتصادها وجعل جيشها أكثر كفاءة وقدرة على مواجهة التحديات الإقليمية، وهو ما يعزز موقعها كلاعب أساسي في شمال إفريقيا ويتيح لها استثمار الفرص الاقتصادية والسياسية على المستويين الإقليمي والدولي.

0 تعليقات الزوار