رؤية ملكية ترسم مستقبل النقل الحديدي من الشمال إلى الجنوب

حجم الخط:

هبة بريس – عبد اللطيف بركة

في وقت تتسارع فيه مشاريع البنية التحتية الكبرى بالمغرب، يبرز مشروع الربط السككي بين شمال المملكة وجنوبها كأحد أكثر الأوراش طموحاً في تاريخ النقل المغربي. رؤية بعيدة المدى يقودها المكتب الوطني للسكك الحديدية، تحت إشراف مباشر من جلالة الملك محمد السادس، تروم تحويل القطار إلى أداة للتماسك الترابي والتنمية الاقتصادية والاجتماعية في مختلف جهات البلاد.

– رؤية ملكية تتجاوز النقل إلى بناء التوازن المجالي

في لقاء تلفزيوني على القناة الثانية، قدّم محمد ربيع لخليع، المدير العام للمكتب الوطني للسكك الحديدية، الخطوط العريضة لهذه الاستراتيجية، التي لا تقتصر على توسيع الشبكة فحسب، بل تسعى إلى إعادة صياغة الخريطة التنموية عبر خلق توازن حقيقي بين المناطق.

فالمخطط الجديد، كما أوضح لخليع، يستند إلى توجيهات ملكية واضحة تجعل من القطار وسيلة لربط الإنسان بالمجال، والشمال بالجنوب، والمراكز الاقتصادية الكبرى بالمناطق الصاعدة.

– محاور استراتيجية تربط المغرب من أقصاه إلى أقصاه

المشروع يضم محورين أساسيين: المحور الأطلسي، الذي يمتد من طنجة إلى أكادير مروراً بالدار البيضاء ومراكش، ليشكّل عصب الربط بين المراكز الصناعية والسياحية الكبرى.

والمحور الشرقي، الذي ينطلق من الدار البيضاء نحو وجدة مروراً بفاس، ويهدف إلى إنعاش الدينامية الاقتصادية لجهات الشرق وربطها بالشبكة الوطنية.

غير أن البُعد الأكثر طموحاً في هذا التصور يكمن في المشروع المستقبلي لتمديد الخط إلى العيون والداخلة وصولاً إلى الحدود مع موريتانيا، ما يفتح آفاقاً غير مسبوقة أمام التكامل الاقتصادي بين شمال إفريقيا وعمقها الإفريقي، ويؤكد الحضور المغربي القوي في الجنوب.

– ورش وطني بمقاربة تدريجية ومستدامة

يؤكد لخليع أن المكتب الوطني للسكك الحديدية يشتغل وفق مقاربة تدريجية، تضع كل خمس سنوات مراجعة شاملة للأولويات والاحتياجات، بما يضمن التكيف مع التطورات الاقتصادية والتقنية.
ومن بين المشاريع التي شملتها الدراسات التقنية النهائية، الخط السككي بين مراكش وأكادير، الذي يُنتظر أن يُشكّل حلقة وصل محورية بين الوسط والجنوب، فور تأمين التمويل اللازم لإطلاق الأشغال. كما تشمل الخطة خطوطاً أخرى مثل خريبكة–بني ملال وشيشاوة–الصويرة وتطوان–طنجة، ضمن تصور يروم تقريب كل جهة من الشبكة الوطنية.

– البعد الاقتصادي والاجتماعي للمشروع

تُجمع الأوساط الاقتصادية على أن هذا المخطط لا يمثل مجرد مشروع نقل، بل رافعة استراتيجية ستعيد توزيع فرص النمو عبر التراب الوطني. فالخطوط الجديدة ستفتح آفاقاً واسعة أمام المستثمرين في قطاعات الصناعة والسياحة واللوجستيك، وستُسهِم في تحسين تنافسية الصادرات المغربية عبر موانئ الأطلسي والمتوسط، مع تقليص تكاليف النقل وزمن الرحلات.

وفي الجانب الاجتماعي، سيساهم القطار في تقريب المواطنين من فرص الشغل والخدمات، وتقليص الفوارق بين المدن الكبرى والمناطق الداخلية، بما يعزز العدالة المجالية التي تُعد من ركائز النموذج التنموي الجديد.

– القطار… رمز الحداثة والوحدة الوطنية

منذ إطلاق قطار “البراق” فائق السرعة بين طنجة والدار البيضاء، أصبح المغرب يُنظر إليه كقوة صاعدة في مجال النقل السككي بإفريقيا. واليوم، ومع هذا المخطط الجديد، يتجه البلد نحو مرحلة ثانية من الثورة السككية، تتجاوز السرعة إلى بناء شبكة متكاملة تربط كل الجهات، في انسجام مع التحولات الاقتصادية الكبرى التي تعرفها المملكة.

– نحو مغرب متصل من الشمال إلى أقصى الجنوب

ختاماً، يُمكن القول إن مشروع ربط الشمال بالجنوب سككياً ليس مجرد استثمار في الحديد والإسفلت، بل هو استثمار في الوحدة الوطنية والمستقبل. فحين يلتقي القطار القادم من طنجة بالآخر المنطلق من الداخلة، سيصبح المغرب أكثر اتصالاً بذاته، وأكثر استعداداً لمواكبة تحولات القرن الحادي والعشرين بثقة ورؤية واستشراف.

0 تعليقات الزوار

الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي الموقع

اترك تعليقاً