هبة بريس – عبد اللطيف بركة
تشهد مقاطعة المعاريف، إحدى أكثر المناطق نبضاً بالحركة في قلب العاصمة الاقتصادية للمملكة “الدار البيضاء” ، تحولات عمرانية كبرى قد تغيّر وجهها إلى الأبد، وفي خضم هذه التغييرات، يطفو على السطح مصير سوق درب غلف الشهير، أكبر مركز لبيع الإلكترونيات في المغرب، والذي يواجه اليوم خطر الزوال تحت مبررات التهيئة والتحديث.
فقد أُغلق أخيراً باب البحث العمومي حول مشروع تصميم التهيئة الجديد للمنطقة، وهو المشروع الذي طُرح للنقاش العمومي طيلة شهر كامل، مفسحاً المجال أمام المواطنين والمهنيين للتعبير عن ملاحظاتهم. وتؤكد مصادر مطلعة أن التصميم دخل مرحلة الحسم، ويُنتظر أن يشكّل خريطة طريق عمرانية تمتد حتى أفق 2035، استعداداً لتحولات كبرى تستبق تنظيم المملكة لكأس العالم 2030.
ويحمل المخطط الجديد في طيّاته مشاريع مهيكلة وإعادة توظيف شاملة للأراضي والمرافق، في سعي واضح إلى التوفيق بين الحداثة وحماية ما تبقى من هوية المدينة. غير أن ما يثير الجدل هو إدراج سوق درب غلف، الذي ظل لعقود معلمة شعبية واقتصادية بارزة، ضمن المناطق المصنّفة ذات “المصلحة العامة”، ما يفتح الباب أمام إمكانية نزع ملكية الموقع وإعادة تهيئته بالكامل.
هذا التوجه يثير قلق عدد كبير من الباعة والتجار والزبائن، الذين يرون في درب غلف أكثر من مجرد سوق. فهو فضاء اقتصادي نابض، وملتقى لآلاف الزوار يومياً، ومصدر عيش لعدد كبير من العائلات، فضلاً عن كونه وجهة معروفة لمحبي الإلكترونيات والإصلاحات التقنية. ويخشى العديد من المهنيين أن يكون المخطط بداية النهاية لهذا الفضاء، خاصة في ظل غياب بدائل واضحة أو حلول ترحيل تضمن استمرارية النشاط التجاري.
في المقابل، تدافع بعض الأطراف في المجلس الجماعي عن المشروع، معتبرة أنه فرصة لإعادة تأهيل النسيج التجاري، وتحقيق التوازن بين التنظيم الحضري والوظائف الاقتصادية. ويأتي هذا ضمن رؤية أشمل لتحويل المعاريف إلى قطب حضري متطور، يشمل تجهيزات عمومية جديدة، توسعة للبنيات التحتية، وتحديث للبنية السكنية عبر السماح ببناء عمارات في أحياء الفيلات، مع الحفاظ على الطابع الراقي للمقاطعة.
ويشمل التصميم أيضاً إحداث منطقة للابتكار أُطلق عليها اسم “Maarif Tech”، فوق العقار الذي كانت تشغله سابقاً شركة النقل الحضري، إذ يُرتقب أن تحتضن مستقبلاً مشاريع تكنولوجية صديقة للبيئة في إطار دعم الاقتصاد الأخضر.
أما على المستوى الصحي، فيقترح المشروع إعادة هيكلة شاملة للمنطقة المحاذية للمركز الاستشفائي الجامعي، لتحويلها إلى قطب طبي متكامل، يجمع بين التكوين والخدمات الصحية، على غرار مشاريع مماثلة في الرباط وطنجة.
رغم الطموحات الكبرى التي يحملها المخطط، يعبّر فاعلون محليون عن مخاوف من أن يظل حبراً على ورق، في ظل تجارب سابقة لم ترَ النور بسبب ضعف التنسيق المؤسساتي أو غياب التمويل الكافي. كما يشكك البعض في مدى مراعاة المشروع للواقع الاقتصادي والاجتماعي للمنطقة، خاصة في ظل قرارات قد تعني فقدان آلاف الأشخاص لمصادر رزقهم، في حال تقرر إزالة درب غلف دون حلول انتقالية عادلة.
ويُرتقب أن تُحال الملاحظات التي جُمعت خلال البحث العمومي على اللجان التقنية المختصة، قبل اعتماد الصيغة النهائية، التي ستُحدّد مصير معالم تاريخية واقتصادية بارزة، وعلى رأسها “درب غلف” الذي يقف اليوم أمام مفترق طرق: إما التأهيل والاستمرارية، أو الزوال باسم التحديث.
0 تعليقات الزوار